- Accueil
- Vie Quotidienne
- Culture Islamique
- كتاب التوحيد
كتاب التوحيد
صفوة المسائل في التوحيد والفقه والفضائل كتاب التوحيد
محمد نصر الدين محمد عويضة
مقـدمـة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ، واشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار شهادةٌ أدخرها ليومٍ تذهل فيه العقول وتشخص فيه الأبصار شهادةٌ أرجو بها النجاةَ من دار البوار وأؤمل بها جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، هو الأولُ فليس قبله شئ والآخرُ فليس بعده شئ والظاهر فليس فوقه شئ والباطن فليس دونه شئ ، ليس كمثلهِ شئٌ وهو السميع البصير وأشهد أن محمد عبده ورسوله المصطفى المختار الماحي لظلام الشرك بثواقب الأنوار صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه البررة الأطهار صلاةً تدوم بتعاقب الليل والنهار .
(يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . [ آل عمران ـ102 ]
( يا أيها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاً ) [النساء/ 1 ]
( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )[ الأحزاب 70 – 71 ]
أما بعد
لما كان زادُ الداعيةِ إلى الله – بعد تقوى الله – أن يكونَ على علمٍ صحيح مرتكزٍ على الكتاب والسنةِ الصحيحةِ حيث يستمدُ من نورهما نوراً ومن ضيائهماً لمعانًا ليضئ له الطريق في الدعوةِ إلى الله على بصيرة امتثالا لقوله تعالى: (قُلْ هَـَذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة: يوسف - الآية: 108]ولما كان أولُ ما يجب على العبدِ أن يتعلَمَه من دينه : ( فقه الإيمان ) وهو التوحيد و( فقه الأحكام ) وهو فقه الشريعة لأنهما من فروض الأعيان لكونهما متعلقان بالعمل ومتعلقان بالتكليف ، لأنه بفقه الإيمان يُصححُ العبدُ إيمانَه الذي سيلقي عليه ربه وبفقه الأحكام سيُصححُ عمله الذي سيلقي به ربه .
ولما كان الداعيةُ إلى الله يحتاجُ إلى التحلي بالفضائلِ والتخلي عن الرذائلِ سيراً على منهج السلفِ الصالحِ في التعلم حيث كان منهجهم في التعلم ( أن يتلقوْا العلمَ مع الأدب ) لأن العلمَ بلا أدبٍ يجني على صاحبه ويُهلكه .
لهذه الأسبابِ الثلاثةِ مجتمعة رأيت أن أقدم هذا الجهدَ المُقل المسمى ( صفوةُ المسائل في التوحيد والفقه والفضائل ) مبتدأ بـ ( فقه الإيمان ) وهو التوحيد لأن التوحيدَ هو أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه لأنه مقدمٌ على العمل والأصلُ الذي يترتبُ عليه غيره إذ لا ينفع مع الشركِ عمل ، فأقدم ( صفوة المسائل في التوحيد ثم أعقبها بصفوة مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة ، ثم أورد صفوة مسائل الفقه لأن الفقه هو أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه بعد التوحيد لأنه لا يتحقق للعبد متابعة النبيr في عباداته ومعاملاته إلا عن طريق الفقه ، ثم أنتقل إلى صفوة مسائل الفضائل ليتحلى بها طالب العلم ثم أعقبها بمسائل الرذائل ليتخلى عنها فيكون الداعيةُ إلى الله بعد دراسته لهذا الكتاب موحداً عالماً بمسائل الفقه متحلياً بالفضائلِ متخلياً عن الرذائلِ مما يُؤهله إلى الدعوة إلى الله على بصيرة .
عملي في هذا الكتاب :
1- إيراد صفوة المسائل في التوحيد والفقه والفضائل مقتصراً على القول الراجح الذي يشهد له الدليل- غالباً – دون الخوض في متاهات الخلاف التي لا تفيد طالب العلم المبتدأ ن ودون التجمد على مذهب معين بل أتحرى القول الذي يشهد له بالدليل .
2- لما كان العلم مسائل ودلائل آثرت أن أجعل هذا الكتاب في صورة (مسألة والجواب عليها ) مدعماً الجواب بالدليل من الكتاب والسنة الصحيحة لأن ذلك أسهلُ في الحفظ وأثبتُ للذهن .
3- أنني لا أورد حديثاً إلا عزوته إلى بعض الكتب الصحيحة على المنهج الآتي : ما كان في الصحيحين أو أحدهما أكتفي بذلك ، وما لم يكن في الصحيحين أو أحدهما أعزوه إلى صحيح السنن الأربعة إن كان موجوداً بها كلها ، وإن كان موجوداً في بعضها فإنني أعزوه إلى كتابين فقط منهم وإن كان موجوداً في ثلاث ، وإن كان موجوداُ في كتاب واحد منهم أعزوه إليه ، وهكذا تجدني أقدم الكتب الستة على غيرها لأنها عماد طالب العلم في الحديث – بعد الله تعالى - ، وما لم يكن في الكتب الستة فإنني أعزو الحديث إلى غيرها من الكتب الصحيحة مثل صحيح الجامع ، صحيح الأدب المفرد ، السلسلة الصحيحة ، كما أنك تجدني أيها القارئ الكريم أحيل في تصحيح الحديث وتضعيفه على العلامةِ الضياءِ اللامعِ الشيخ الألباني حفظه الله ، ونحن حينما نحيل على الشيخ الألباني فإننا – ولاشك – نحيلُُ على مليٍّ لأنه كوكبُ نظائره وزهرةُ إخوانه في هذا الشأن في زماننا ن هذا العالم الجليل الذي وسَّع دائرةَ الاستفادةِ من السنة بتقديمه مشروع ( تقريب السنة بين يدي الأمة ) ذلك المشروع الذي بذل فيه أكثر من أربعين سنة ، ومن أراد أن يعرف هذه الفائدة العظيمة فلينظر على سبيل المثال إلى السنن الأربعة التي ظلَّت مئات السنين محدودة الفائدة جداً حيث كانت الاستفادة منها مقتصرة على من كان له باع في تصحيح الحديث وتضعيفه ولكن بعد تقديم الشيخ الألباني لصحيح السنن الأربعة اتسعت دائرة الاستفادة حتى تعم كل طالب أراد أن يستفيد وهذا ولا شك فائدة عظيمة جداُ عند من نور الله بصيرته وأراد الإنصاف ، ومن المؤسف في زماننا هذا أن نرى بعض طلبة العلم ممن لا يقام لهم وزناً في العلم يتطاولون على الشيخ الألباني ويجترئون عليه ويترقبون له الهفوات ويتصيدون له الأخطاء ويلتمسون العثرات ليشهروا به وهذا – ولا شك – يدل على فسادِ النية وسقامةِ الضمائر ويدل كذلك على أن قلبه أخلى من جوف البعير ، إذ لو تعلم العلم لعلم أن من أدب العلم التوادَ فيه ، ولقد كان ابن عباس – رضي الله عنهما – يأخذ بركاب زيد ابن ثابت – رضي الله عنه - ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء ، وكان الشافعي رحمه الله يقول لعبد الله ابن الإمام أحمد : أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل يوم عند السحر ، ولا أدري كيف سوَّلت لهم أنفسهم أن يتطاولوا على عالم صاحب حديث رسول الله أكثر من نصف قرن ولا أدري كيف يتطاولون على العالم والكتاب والسنة طافحين بما يدل على احترام أهل العلم وتوقيرهم ، ألا فليحذر طالب العلم من أن يكون سيئ الخلق ناطحاً للسحاب يترقب للعالم الهفوات ويلتمس العثرات ليشهر به فإن ذلك ينقصُ
4- من مقدار التقوى عنده مما يكون سبباً في حرمانه من العلم ، بل ينبغي لطالب العلم أن يكون كريمَ الطباع حميدَ السجايا مهذبَ الأخلاق سليمَ الصدر مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر إذا تكلم غنم وإذا سكت سلم وينبغي له أن يعرف أن العالم مع جلالته وعظم قدره قد يخطأ في اجتهاده فإن لكل جوادٍ كبوة ولكل عالم هفوة وسبحان من له الكمال ، فلا يكن خطأ العالم سبب لانتقاصك لحقه أو فرصة للنيلِ منه ، وليكن نصب أعينك أن العالم مثابٌ على اجتهاده سواء أصاب أم أخطأ وحسبُك حديث النبي – r – الثابت في الصحيحين عن عبد الله ابن عمرو – رضي الله عنهما –أن النبي r قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر . ، ثم عليك بعد ذلك أن تترك العالم هو الذي يحكم على العالم و أخرج من بين النسور ولا تناطح السحاب .
أنا أقدم هذا الكتاب كتمرين لطالب العلم على حفظ المسألة بأدلتها من الكتاب والسنة الصحيحة حتى ينشأ طالب العلم على هذا النحو وحتى يصل إلى أن يكون ذلك طبعاً له لا تكلفاً ويكون الكتاب والسنة له كالجناحين للطائر يتمسك بهما ويعض عليهما بالنواجذ لأن ذلك سبيل النجاةِ من الضلال لقول النبي r فيما ثبت في صحيح الجامع عن أبى هريرة رضى الله عنه (تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض )
ويجب التنبيه على طالب العلم أن يتمسك بالوحيين كليهما (الكتاب والسنة) وليس الكتاب فقط لقول النبيr فيما ثبت فى صحيح أبي داود عن المقدام ابن معد يكرب رضى الله عنه (ألا وإني أوتيتُ القرآنَ ومثلَه معه )
ومن المؤسف فى زماننا هذا تجرئ بعض الجهلة على النبي r فيقولون انه بشر مثلنا هات الدليل من القرآن فقط ــ وهذا يدل ولا شك ـــ على أن قائل هذه العبارة جاهل جهلا مركب بل هو أضل من حمار أهله , وقد أخبر النبي r
النبي r أن هذا سيقع في أمته فقال فيما ثبت في صحيحي أبى داود و الترمذي عن المقدام ابن معد يكرب رضى الله عنه (يوشك الرجل متكئاً على أريكته يُحَدَثُ بحديثٍ من حديثٍ فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ،فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرمناه ، ألا وإن ما حرَّم رسول الله مثل ما حرم الله )
( ولقد كان السلف الصالح يدعون إلى التمسك بالوحيين ويضللون من يتمسك بالكتاب فقط,قال أبو قلابة: إذا رأيت رجل يقول هات الكتاب ودعنا من السنة فاعلم أنه ضال.
وقال الإمام احمد رحمه الله:
دين النبي محمــدٍ أخبـــارُ |
|
نعم المطيـةُ للفتـى الآثـــارُ |
لا ترغبـَّنَّ عن الحديـثِ وأهله |
|
فالرأيُ ليـلٌ والحديـثُ نهــارُ |
وقال الشافعي رحمه الله
كُلُ العلومِ سوى القرآنِ مشغلةٌ |
|
إلا الحديثِ وعلم الفقه في الدين |
العلمُ ما كان فيه قال حدثـنا |
|
وما سوى ذاك وسواسِ الشياطين |
هذا والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم وسبباً لنيلِ جناتِ النعيم وأن يعصمني وقارئه من الشيطان الرجيم ، وما كان في هذا الكتاب من صوابٍ فمن الواحد المنان ، وما كان من خطأ فمن نفسى ومن الشيطان ، والله برئ منه وأنا راجعٌ عنه بإذن الله ، فنسأل الله أن يحملنا على فضله ولا يحملنا على عدله إنه سبحانه على من يشاءُ قدير وبالإجابة جدير وهو حسبنا ونعم الوكيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أبو رحمة / محمد نصر الدين محمد عويضة
المدرس بالجامعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة فرع مدركة ورهاط وهدى الشام
6/9/1416 هجرية
صفـوة مسائل التـوحيـد
أول ما يجب أن يتعلمه العبد من دينه
مسألة : ما هو أول ما أول ما يجب أن يتعلمه العبد من دينه ؟
أول ما يجب على العبد أن يتعلمه من دينه هو التوحيد لأن التوحيد مُقَدَّمٌ على العمل والأصل الذي يترتب عليه غيره إذ لا ينفعُ مع الشركِ عمل قال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) ( محمد / 19 )
( حديث ا بن عباس في الصحيحين ) قال : قال رسول الله r لمعاذٍ ابن جبل حين بعثه إلى اليمن : إنك ستأتي قوماً أهل كتاب ، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسَ صلواتٍ في كل يومٍ وليلة ، فإن هم أطاعوا لك بذلك
فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتُردُ على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتقِ دعوةَ المظلومِ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب .
الشاهد : قوله rفإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات ، فجعل إخبارهم بالصلاةِ معلقٌ على قبولِ التوحيد فإن لم يقبلوه فلا تخبرهم ، وذلك لأن التوحيد مُقَدَّمٌ على العمل والأصلُ الذي يترتب عليه غيره إذ لا ينفع مع الشركِ عمل .
(حديثُ جندب ابن عبد الله صحيح ابن ماجة ) قال كنا مع النبي r ونحن فتيانٌ حزَاوِرَة ، فتعلمنا الإيمانَ قبل أن نتعلم القرآن ، ثم تعلمنا القرآنَ فازددنا به إيمانا
معنى حزاوره : جمع حَزْوَر وهو الغلام إذا اشتد وقوى .
قال الشيخ حافظ ابن أحمد الحكمي في سلم الوصول :
أولُ واجبٍِ على العبيدِ |
|
معرفةُ الرحمنِ بالتوحيدِ |
إذ هو من كل الأوامرِ أعظمُ |
|
وهو نوعان أيا من يفهمُ |
مسألة : ما معنى لا يكون توحيد إلا بنفيْ وإثبات ؟
المقصود بذلك أن التوحيد يتضمن نفي الشرك وإثبات التوحيد لله تعالى .، فإن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله ) تتضمن هذين الشقين
(لا إله ) نفي الألوهيةِ الحقةِ عن غيرِ الله
(إلا الله ) إثباتُ الألوهيةِ الحقةِ لله تعالى
ولذا كان معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله ) لا معبود بحقٍ إلا الله .
فضـلُ التـوحيـد
مسألة : ما هو فضل التوحيد ؟
للتوحيدِ فضلٌ عظيمٌ وأجرٌ جسيم وهاك بعضَ فضائله :
1) أصحابُ التوحيدِ يفوزون بخيري الدنيا والآخرة
قال تعالى: (الّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوَاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مّهْتَدُونَ) (الأنعام /82 )
لهم الأمن : في الدنيا، وهم مهتدون : في الدنيا
وهذا –ولاشك – هو خيري الدنيا والآخرة ، فليس في الدنيا أنفعُ من أن تكون على هدى ، ولذا كان أنفعُ دعاء هو (اهدنا الصراط المستقيم ) ولذا نقوله في كل ركعةٍ من الصلوات .
وليس في الآخرةِ أنفعُ من أن تكون آمناً في يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم
(حديثُ ابن مسعودٍ في الصحيحين ) قال لما نزلت : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون . شق ذلك على المسلمين وقالوا أينا لم يظلم نفسه ، قال رسول الله r ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تُشركْ بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم .
2) أن الله تعالى لا يقبلُ العملَ إلا من الموحدين
قال تعالى : (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلَـَهُكُمْ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا) (الكهف /110 )
(حديثُ أبي هريرةَ صحيح مسلم ) : أن النبي r قال - قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك ، من عمل عملاً أشركَ فيه معي غيري تركته وشركه
(حديثُ جندب ابن عبد الله في الصحيحين ) : أن النبي r قال من سمَّعَ سمَّعَ الله به ومن يُرائي يُرائي الله به . .
(حديثُ أبي أُمامة صحيح النسائي ) : أن النبي r قال إن الله تعالى لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً وابتُغيَ به وَجهُهُ
3) أصحابُ التوحيدِ يفوزون بشفاعة النبي r .
(حديثُ أبي هريرة في الصحيحين ) : أن النبي r قال لكلِ نبيٍ دعوةٌ مستجابةٌ فتعجَّلَ كل نبيٍ دعوته ، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةٌ لأُمتي يوم القيامة ، فهي نائلةٌ إن شاء الله من مات من أمتي لا يشركْ بالله شيئاً .
( حديثُ أبي هريرة صحيح البخاري ) : قال . قلت يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ لقد ظننتُ يا أبا هريرةَ أن لا يسأ لني عن هذا الحديثِ أحدٌ أوَّلَ منك لما رأيتُ من حرصكَ على الحديث ، أسعدُ الناسِ بشفاعتي يوم القيامةِ من قال لا إ له إ لا الله خالصاً من قِبِلِ نفسه .
4) أصحابُ التوحيد لا يخلدون في النار :
وأصحاب التوحيدِ في ذلك قسمان :
القسمُ الأول : من مات على التوحيدِ وعمل بشروطِ لا إله إلا الله وكان على تقوى واستقامة
فهذا يدخلُ الجنةَ دون أن تمسَّه النار فقد حرَّمه الله على النار ، وعليه يحملُ الحديثُ الآ تي
(حديثُ أنس في الصحيحين ) : أن رسول الله r ومعاذَ رَدِيفه على الرحل ، قال يا معاذ : قال لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال : ، يا معاذ ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك (ثلاثاً) قال : ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار ، قال يا رسول الله أفلا أخبرُ به الناسَ فيستبشرون ؟ قال : إذاً يتكلوا . وأخبر بها معاذ ٌ عند موته تأثما ً.
(تأثما ً) : أي خشية ُالوقوع ِِ في الإثم ِ الحاصل من كتمان ِ العلم .
القسمُ الثاني :
من مات على التوحيدِ ولكن له ذنوبٌ أوْ بقته فلا نقولُ إنه في النار ، ولكنه تحت مشيئةِ الإله النافذة إن شاء عفا عنه وإن شاء آخذه ، ولكنه يدخلُ الجنة َ يوما ً من الأيام ِ أصابه قبل ذلك اليوم ِ ما أصابه .
(حديثُ أبي ذرٍ في الصحيحين) : قال أتيتُ النبي r وعليه ثوبٌ أبيض وهو نائم ثم أتيتهُ وقد استيقظ فقال : ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا أدخله الله الجنة . قلتُ وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق . قلتُ وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق . قلتُ وإن زنى وإن سرق ؟ قال وإن زنى وإن سرق على رغمِ أنفِ أبي ذر .
(حديثُ أنس في الصحيحين) أن النبي r قال : يخرجُ من النارِ من قال لا إله إلا الله وفي قلبهِ وزنُ شُعيرةِ من خير ، ويخرجُ من النارِ من قال لا إله إلا الله وفي قلبهِ وزن بُرةٍ من خير ، ويخرجُ من النارِ من قال لا إله إلا الله وفي قلبهِ وزنِ ذَرةٍ من خير .
(حديثُ أبي سعيدٍ صحيح الترمذي) : أن النبي r قال : يخرجُ من النارِ من كان في قلبهِ مثقالُ ذرةٍ من إيمان .
5) تكفيرُ الذنوب:
(حديثُ أنس صحيح الترمذي) أن النبي r قال { قال الله تعالى } : يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أُبا لي ، يا ابن آدم لو بلغتْ ذنوبك عنان السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبا لي ، يا ابن آدم لو أتيتني بقُرابِ الأرض خطايا لأتيتك بقُرابها مغفرة .
معنى تحقيـق التوحيـد
مسألة : ما معنى تحقيق ِ التوحيد ؟
معنى تحقيق التوحيد : تخليصُه وتصفيته من الشرك .
{تنبيه} : لا يتحقق التوحيد إلا بشيئين متلازمين
1) إثباتُ التوحيد لله
2) نفيُ الشرك والبراءة من أهله
مسألة : ما المقصود بإثبات التوحيد لله ؟
المقصودُ بإثبات ِالتوحيدِ لله إفرادُ الله بما يختصُ به من توحيدِ الربوبيةِ والألوهيةِ والأسماءِ والصفات
.
مسألة ما معنى توحيد الربوبيه ؟
توحيد الربوبيةِ هو إفرادُ الله بالخلق ِ والملك ِ والتدبير .
والدليلُ قوله تعالى ( ألا له الخلقُ والأمر ) { الأعراف / 54 }
والأمرُ هنا معناه التدبير .
وقوله تعالى ( لله ملك السموات والأرض ) { المائدة / 17 }
الشاهد :تقديم ما حقَّه التأخير يفيدُ الحصر
{ تنبيه }التدبير الذي يختصُ به الله تعالى نوعان هما :
1) تدبيرٌكوني : فالله تعالى يدبرُ أمور الكون وما فيه ، هو المحيي المميت الخافض الرافع المعطي المانع المعز المذل يُولج الليل في النهار ويلج النهار في الليل
قال تعالى : (قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ،تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) {آل عمران / 26 ، 27 }
2) تدبيرٌ شرعي : يحلل ويحرِّم .
مسألة : ما معنى توحيد الأ لوهية ؟
توحيدُ الأ لوهية هو {إفرادُ الله بالعبادة }، أي لا معبود بحقٍ إلا الله .
والدليلُ قوله تعالى قال تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ( آل عمران /18)
وقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) ( محمد / 19 )
.
مسألة ما معنى توحيد الأسماءِ والصفات ؟
توحيدُ الأسماء ِ والصفات هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء ِ الحسنى والصفاتِ العُلى .
{ تنبيه } في هذا النوع من التوحيد ضابطين أساسيين :
1) لا نصفُ الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله r
قال الإمامُ أحمد رحمه الله : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسَه أو وَصفَه به رسوله لا يتجاوزُ القرآن والحديث .
2 ) أن يكون وصفنا لله تعالى بغيرِ تحريفٍ ولا تعطيل ولا تكيفٍ ولا تمثيل .
مسألة : ما معنى التحريف ؟
التحريفُ نوعان :
النوع الأول : تحريفٌ لفظي كتغيير حرفٍ بحرف ، أو زيادة حرف كمن يقول ( استوى على العرش ) استولى ، وقوله حطه أي حنطه . نعوذ بالله من الضلال والخبال .
النوعُ الثاني : تحريفٌ معنوي وهو التأويلُ بغير دليل ، لأي صرف النص عن ظاهره بغير دليلٍ شرعي وهو ما يُسمى بالتأويلِ الفاسد ، كحا لِ بعض الفرق الضالة الذين يفسرون قوله تعالى { بل يداه مبسوطتان } فيفسرون يداه بالسماوات والأرض ، نعوذ بالله من الضلالِ والخبال .
مسألة : ما معنى التعطيل ؟
التعطيلُ هو إنكارُ صفاتِ الله تعالى إما كلها أو بعضها ، وكون الإنكارُ عن طريقتين : إما التحريف أو التكذيب
{ تنبيه } التعطيلُ أعم من التحريف ، يكون تعطيلٌ وتحريف ، وإن كان التعطيلُ بالإنكار يكون تعطيلٌ فقط .
مسألة : ما معنى التكييف ؟
التكييف ذكرُ كيفيةٍ للصفة ، وهذا منهيٌ عنه ، ولما سُئلَ الإمامُ مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ قال :
الاستواء غيرُ مجهول ( أي من حيثُ المعنى )
والكيفُ غير معقول ( أي لا تدركه العقول )
والإيمانُ به واجب (لأنه سبحانه أثبته لنفسه )
والسؤالُ عنه بدعة ( لأن الصحابة َلم يسألوا عنه وهم أحرصُ الناسِ على الخير وأعلم الناسِ بما يجيزه الشرع .
مسألة : ما معنى التمثيل ؟
التمثيلُ هو مماثلة صفات الله تعالى بصفاتِ المخلوقين ، وهذا من الضلالِ والخبال لأن الله تعالى يقول ( ليس كمثلهِ شئٌ وهو السميعُ البصير) [ الشورى / 11 ]
{ تنبيه } التكييف أعم من التمثيل ، لأن التكييفَ إن كان له مماثل كان تكييفاً وتمثيلاٌ ، وإن لم يكن له مماثل كان تكييفاٌ فقط .
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى :
وكلِ ما لهُ مـن الـصــــفاتِ |
|
أثبتـــها في محـكمِ الآياتِ |
أوْصَـحَّ فيما قاله الرســـولُ |
|
فحـقَّهُ التسليـمُ والقبـــولُ |
نُمِرُّها صريحةً كمــا أتـــتْ |
|
مع اعتقادنا لـما لــه اقتدتْ |
من غيـرِ تحرِيـفٍ ولا تعطيـلِ |
|
وغيـرِ تمثيـــلٍ ولا تكييفِ |
مسألة : ما الدليل على أنه لا يتحققُ التوحيدُ إلا بنفي الشركِ والبراءةِ من أهله ؟
الدليلُ على نفي الشرك قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ فَمِنْهُم مّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُمْ مّنْ حَقّتْ عَلَيْهِ الضّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ) ( النحل / 36 )
وقوله تعالى : (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً) ( النساء / 36 )
والدليلُ على البراءةِ من أهلِ الشرك قوله تعالى : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنّنِي بَرَآءٌ مّمّا تَعْبُدُونَ) ( الزخرف / 26 )
وقوله تعالى : (لاّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ يُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوَاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـَئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلاَ إِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ( المجادلة / 22 )
حقُ الله على العبادِ وحقُ العبادِ على الله
مسألة : ما هو حقُ الله على العبادِ وما هو حقُ العبادِ على الله ؟
حقُ الله على العبادِ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحقُ العبادِ على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا .
( حديثُ معاذ ابن جبل في الصحيحين ) قال : كنتُ رَدِيفَ النبي r على حمارٍ يُقَالُ له عُفَيْر ، فقال لي يا معاذ : أتدري ما حقُ اللهِ على العبادِ وما حقُ العبادِ على الله ؟ قلتُ الله ورسوله أعلم . قال فإن حق الله على العبادِ أن يعبدوه ولا يشرِكوا به شيئاً ، وحقُ العبادِ على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً ، قلتُ يا رسولَ الله أفلا أبشِّرْ به الناس ؟ قال لا تبشرْهم فيتكلوا .
مسألة : ما هي العبادة ؟
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
العبادةُ هي اسمٌ جامعٌ لكلِ ما يحبه الله تعالى ويرضاه من الأقوالِ والأعمالِ الظاهرةِ والباطنة .
قال الشيخُ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى :
ثم العبادةُ هي اســمٌ جامـــع |
|
لكلِ ما يُرْضْـي الإلهُ السـامع |
وفي الحديـثِ مُخُها الدعـــاءُ |
|
خوفٌ توكُّلٌ كــذا الرجــاءُ |
ورغبــةٌ ورهبــةٌ خشــوعُ |
|
وخشــيةٌ إنابةٌ خُضـــوعُ |
والا ســـتعاذةُ والاستعانة |
|
كــذا اسـتغاثةٌ به سـبحانه |
والذبــحُ والنذرُ وغيـــرُ ذلك |
|
فافهم هُدِ يـتَ أوْضَحَ المسالك |
وصــرْفِ بعضـها لغيــرِ الله |
|
شـِرْكٌ وذاك أقبــحُ المناهي |
{ تنبيه } : حديثُ الدعاءُ مخُ العبادة ضعيف ، أما الحديث الصحيح هو الدعاءُ هو العبادة ، فقد ثبت في صحيحي أبي داود والترمذي .
مسألة : ما معنى حقُ الله على العباد ؟
معنى حقُ الله على العباد أي ما يجبٌُ لله على العباد .
مسأله : ما معنى حق العبادِ على الله ؟
الأصلُ أنه لا يجب على الله شئ ، وإنما هذا الحقُ أوجبه على نفسه سبحانه كقوله تعالى : ( كتب ربكم على نفسه الرحمة ) قال تعالى: (وَإِذَا جَآءَكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبّكُمْ عَلَىَ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ أَنّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوَءًا بِجَهَالَةٍ ثُمّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ) { الأنعام /54 }
ولله دَرُّ من قال :
ما للعبـادِ عليـهِ حَـقٌ واجـبُ |
|
كلا ولا سـعيٌ لديه ضــائعُ |
إن عُذبِّوا فبِعدلهِ أو نُعِّمــــوا |
|
فبفضلهِ وهو الكريمُ الواســعُ
|
معنـى الشهادتيـن
مسألة : ما معنى الشهادتين ؟
معنى شهادةِ أن لا إله إلا الله أي لا معبود بحقٍ إلا الله .
ومعنى شهادة أن محمداً رسولُ الله طاعتُه فيما أمر ، وتصديقُهُ فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع وأن يُعَظمَ أمره ونهيه فلا يُقدَّم عليه قول أحد كائناً من كان .
كلمةُ التوحيدِ تتضمنُ أنواعَ التوحيدِ الثلاثة
مسألة : ( كلمةُ التوحيدِ تتضمنُ أنواعَ التوحيدِ الثلاثة ) إشرح هذه العبارة ؟
كلمةُ التوحيدِ تتضمنُ أنواعَ التوحيدِ الثلاثة على التفصيلِ الأتي :
كلمةُ التوحيدِ اشتملت على توحيدِ الألوهيةِ مطابقة ، واشتملت على توحيدِ الربوبيةِ وتوحيدِ الأسماءِ والصفات تضمناً .
{ تنبيه} دلالةُ المطابقة : دلالةُ اللفظ على ما وُضِع له في لغةِ العرب .
ودلالةُ التضمن : معناها دلالةُ اللفظِ على جزءِ معناه كدلالةِ الإنسان على بعضِ أجزائه .
شـروطُ كلمةِ التـوحيـد
مسألة :ما هي شروطُ كلمةِ التوحيد ؟
لكلمةِ التوحيدِ شروطٌ سبعة لا ينتفعُ قائلها إلا بعد أن يستكملها وهي :
1)العلمُ المنافي للجهل
2)اليقينُ المنافي للشك
3)القبولُ المنافي للرد
4)الانقياد ، ويتمُ ذلك بأداء حقوقها وهي الأعمالُ الواجبة إخلاصاً للهِ وطلباً لمرضاته .
5)الصدقُ المنافي للنفاق
6)الإخلاصُ المنافي للشرك .
7)المحبةُ لهذه الكلمة ولما دلَّت عليه والسرورُ بذلك بخلاف ما عليه المنافقون .
قال الشيخُ حافظُ الحكمي في سُلمِ الوصول :
وبشـروطٍ سـبعةٍ قـد قُيِدتْ |
|
وفي نصوصِ الوحي حقاً وردت |
فإنـه لم ينتفعْ قَائِــــلُها |
|
بالنطـقِ إلا حيثُ يســـتكمِلُها |
العلمُ واليقـينُ والقبـــولُ |
|
والانقيــــادُ فادرِ ما أقـولُ |
والصدقُ والإخلاصُ والمحبةْ |
|
وفقك الله لمـا أحبَّــــــه |
مسألة : ما الفرق بين القبولِ والانقياد ؟
القبولُ يكونُ بالأقوال ، والانقياد يكونُ بالأفعال .
من التوحيدِ أن تشهدَ أن عيسى عبدُ اللهِ ورسوله
ِِ
مسألة : اذكر الدليلَ على أن من التوحيدِ أن تشهدَ أن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه ؟
( حديثُ عُبَادةَ ابن الصامت في الصحيحين ) أن النبي r قال : من شهدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ له وأن محمداً عبدُ الله ورسولُه
وأن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه والجنةُ حقٌ والنارُ حقٌ أدخله الله الجنةَ على ما كان من العمل .
مسألة : ما معنى قوله r وكلمتُه ألقاها إلى مريم ؟
معنى قوله r كلمتُه أي كان بكلمته كُنْ فكان
ألقاها إلى مريم : أي أن عيسى عليه السلام كان بالكلمةِ التي أُرْسِلَ بها جبريل إلى مريمَ فنفخ فيه من روحه بأمرِ الله .
مسألة : ما معنى قوله r وروحٌ منه ؟
معنى قوله r وروحٌ منه أي روحٌ من الأرواح التي خلقها الله تعالى ، قال الله تعالى: (إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) { آل عمران /59 }
مسألة : ما معنى قوله r أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ؟
معنى قوله r أدخله الله الجنة على ما كان من العمل أي من صلاحٍ أو فساد ، وتفصيلُ ذلك أن من مات على التوحيدِ دخل الجنةَ يوماً من الأيام أصابه قبل ذلك اليومِ ما أصابه
من حقَّق التوحيدَ دخلَ الجنةَ بغيرِ حساب
مسألة : هل كل من حقَّق التوحيد يدْخُل الجنة بغيرِ حساب ؟
المسألةُ على التفصيلِ الآتي :
1) من حقَّق التوحيدِ واتصف بالصفاتِ الأربعةِ التي ذكرها النبي r بكونهم لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون ، فهؤلاء يدخلون الجنةَ بغيرِ حساب
(حديثُ ابن عباس في الصحيحين ) أن النبي r قال : عُرِضت عليَّ الأمم فجعل يمرُ النبي معه الرجل والنبيُ معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ، ورأيتُ سواداً كثيراً سدَّ الأفق فرجوتُ أن تكون أمتي فقِيل هذا موسى وقومه ، ثم قِيل ليَ انظر هكذا وهكذا فرأيتُ سواداً كثيراً سدَّ الأفق فقِيل هؤلاء أمتُك ومع هؤلاءِ سبعون ألفاً يدخلون الجنةَ بغيرِ حساب فتفرَّقَ الناسُ ولم يبينْ لهم ، فتذاكرَ أصحابُ النبيِ r فقالوا نحن وُلدنا في الشرك ولكن هؤلاء أبناؤنا ، فبلغ النبي r فقال { هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون } فقام عُكَّاشةُ ابن مِحصن فقال : أمنهم أنا يا رسولَ الله ؟ قال : أنت منهم ، فقام آخر فقال أمنهم أنا ؟ قال : سبقك بها عُكَّاشة .
2) من حقَّقَ التوحيدِ الخالص ولكن نقصه بعض الصفاتِ الأربع كمن يسترقي أو يكتوي فهذا لا يدخلُ الجنةَ بغيرِ حساب ولكنه يدخلُ الجنةَ دون أن تمسَّه النار فقد حرَّمه الله تعالى على النار
(حديثُ أنس في الصحيحين ) أن رسولَ الله r ومعاذَ رَدِيفُه على الرحل قال يا مُعاذ ، قال لبيك يا رسولَ الله وسعديك . قال يا مُعاذ ، قال لبيك يا رسولَ الله وسعديك ثلاثاً ، قال : ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسولُ الله صِدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار ، فقلتُ يا رسولَ الله أفلا أُخْبر به الناسَ فيستبشرون ؟ قال : إذاً يتكلوا . وأخبربها معاذ عند موته تأثماً .
3) من حقَّق التوحيدَ ولكن له معاصي أوبقتْه فهذا لايُخَلدُ في النار ولكنه تحت مشيئةِ الإله النافذة إن شاء عفا عنه وإن شاء آخذه ولكنه يدخلُ الجنةَ يوماً من الأيام أصابه قبل ذلك اليوم ما أصابه .
(حديثُ أبي ذرٍ في الصحيحين) قال أتيتُ النبيَ r وعليه ثوبٌ أبيض وهو نائم ثم أتيته وقد استيقظ فقال : ما من عبدٍ قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنةَ ، قلتُ وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق . قلتُ وإن زنى وإن سرق؟ قال : وإن زنى وإن سرق . قلتُ وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق على رَغمِ أنفِ أبي ذر .
(حديثُ أنس في الصحيحين ) أن النبي r قال : يخرجُ من النار من قال لاإله إلا الله وفي قلبه وزنُ شُعَيْرَةٍ من خير ، ويخرجُ من النارِ من قال لاإله إلا الله وفي قلبه وزنُ بُرَةٍ من خير ويخرجُ من النارِ من قال لاإله إلا الله وفي قلبه وزن ذرةٍ من خير .
( حديثُ أبي سعيدٍ في صحيحِ الترمذي) أن النبي r قال يخرجُ من النارِ من كان في قلبه مِثقالُ ذرةٍ من إيمان .
مسألة : ما هو التطيرُ وما حكمه ؟
التطيرُ هو التشاؤم بمسموعٍ أو مرئيٍ أو معلوم ، وسُمِّىَ بالتطير لأن غالبَ التشاؤم عند العرب كان بالطير ، كانوا يزجرون الطير فإذا ذهب يميناً يتفاءلون وإذا ذهب يساراً يتشاءمون .
حكمُ التطيـر : التطيرُ محرَّمٌ شرعاً
(حديثُ أبي هريرةَ في الصحيحين ) أن النبي r قال : لا عدوى ولا طِيَرَة ولا هامةُ ولا صفر وفرَّ من المجذومِ فرارك من الأسد .
مسألة : هل التطيرُ يُنافي التوحيد ؟
التطيرُ ينافي التوحيدَ من وجهين :
1) التطيرُ يقطعُ التوكلَ على الله الذي هو نصفُ الدين ، قال الله تعالى (إياك نعبدُ وإياك نستعين ) والاستعانة في الحقيقة ما هي إلا ثمرةُ التوكل .
2) أن المتطيرَ تعلقَ بشئٍ لاحقيقةَ له ، واعتقد أن الطِيَرَةَ تملكُ الضرَ والنفع وهذا شرك والعياذُ بالله .
( حديثُ ابن مسعود في صحيحي أبي داود والترمذي ) قال الطِيَرَة شرك – ثلاثاً – وما منا إلا 000 ولكن يُذْهبه الله بالتوكل .
(حديثُ عبد الله ابن عمرو في السلسلة الصحيحة ) أن النبي r قال
من ردَّتْه الطِيَرَةُ عن حاجته فقد أشرك . قلتُ فما كفارةُ ذلك ؟ قال: أن تقول اللهم لاخيرَ إلا خيْرُك ولا طَيرَ إلا طَيْرُك ولا إله غيرُك .
مسألة : ما معنى لا يكتوون وهل الكي جائز؟
معنى لا يكتوون أي لا يطلبون من يكويهم
حكم الكي : جائز مع الكراهة لأن فيه تعذيبٌ للنفس
( حديثُ أبي موسى في الصحيحين ) أن النبي r قال : إن كان في شئٌ من أدويتكم شفاءٌ ففي شرْطةِ مِحْجَم أو شرْبةِ عسل أو لذعةِ نارٍ توافقُ الداء ، وما أحبُ أن أكتوي .
( حديثُ ابن عباس في صحيح البخاري ) أن النبي r قال : الشفاء في ثلاث : شربةُ عسل أو شرطةُ مِحْجَم أو كيةُ نار وأنهى أمتي عن الكي .
مسألة : هل من يكتوي ينافي تحقيق التوحيد ؟
لا ينافي تحقيق التوحيد إلا أن تركه أفضل حتى يكون متعلقاً بالله وحده لا سواه .
مسألة : ما معنى ولا يسترقون ، وهل الإ سترقاء جائز ؟
معنى لا يسترقون أي لا يطلبون من أحدٍ أن يرقيَهم
حكم الإسترقاء : الإسترقاءُ جائزٌ ما دامت الرقيةُ شرعية إلا أن تركه أفضل لكمالِ التعلقِ بالله وحده ، والدليلُ على جواز الرقيةِ ما يلي :
(حديثُ عائشةَ في الصحيحين ) أن النبي r أمر أن يُسترقَى من العين .
(حديثُ أمِ سلمةَ في الصحيحين ) أن النبي r رأى في بيتها جارية في وجهها سَفْعَةً فقال : استرقوا لها فإن بها النظرة .
(حديثُ عائشةَ في الصحيحين ) أن النبي r كان إذا أتى مريضاً أو أُتِيَ بهِ إليهِ قال : أذهب البأسَ ربِ الناس ، اشفِ أنتَ الشافي لا شفاءَ إلا شفاءك ، شفاءاً لا يغادرُ سَقَما .
(حديثُ عائشةَ في الصحيحين ) أن النبي r رخَّصَّ في الرقيةِ من كلِ ذِي حُمَة )
{ تنبيه } ذي حُمًة : أي ذوات السموم
( حديثُ أبي سعيدٍ في صحيح مسلم ) أن جبريلَ عليه السلام أتى النبي r فقال يا محمدُ اشتكيت ؟ قال نعم . قال بسم الله أرقيكَ من كُلِ شئٍ يُؤذيك ومن شرِ كُلِ نفسٍ أو عين حاسدٍ الله يشفيْك بسم الله أرقيك .
(حديثُ عائشةَ في الصحيحين ) أن النبي r كان يقولُ للمريض : بسمِ اللهِ تُرْبَةُ أرضنا بِرِيقةِ بَعْضنا يُشْفَى سَقِيمُنا بإذن ربنا .
مسألة : هل الإسترقاء يُنافي التوحيد ؟
الإسترقاء لا يُنافي التوحيد إلا أن تركه أفضل لكمالِ التعلقِ بالله وحده .
مسألة : ما معنى التوكل ؟
التوكلُ هو صدقُ الاعتماد على الله تعالى في جلب النفعِ أو دفع الضُرِ ، وذلك بالأخذِ بالأسبابِ المشروعة دون التعلقِ بها ثم الرضا بالمقضي .
{ تنبيه } لايتمُ التوكلُ إلا بشيئين أساسيين :
1) قبل التفويضُ حدوثِ المقضي : فبعد أن يصدُق الإنسان في اعتماده على الله يُفَوِّضُ أمره إلى الله تعالى بمعنى أنه يُلقي أمره إلى الله يُصَرِّفْه كيف يشاء .
2) حدوث المقضي : الرضا بعد فمن لم يرضى بالمقضي فتوكله فاسد ، ولذا يحسن بالإنسان أن يقول بعد تحقيقِ أسبابِ التوكل [ اللهم إنا فوضنا أمرنا إليك راضِين بما قضيت فاقدر لنا الخيرَ حيث كان ]
{ تنبيه } من لم يأخذ بالأسبابِ المشروعةِ فتوكله فاسد ، فمثلاً لو أن إنسان زعم أنه صدق في اعتماده على الله تعالى في حصولِ الولد ولكنه لم يتزوج فهل يُعَدُ هذا متوكلاً على الله ؟ بالطبع لا ، ليس هذا توكلاً إنما هذا سفهٌ وحماقة .
ولعل أوضح حديثٍ يبين ُ التوكلَ بشقَيْه قبل حدوث المقضي وبعده هو حديث الاستخارة .
(حديثُ جابر في صحيح البخاري ) قال كان رسولُ الله يُعلمُنا الاستخارة في الأمورِ كلها كالسورةِ من القرآن ، إذا همَّ أحدكم بالأمرِ فليركع ركعتين من غيرِ الفريضةِ ثم يقول : اللهم إني أستخِيرُك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدرُ ولا أقدرُ وتعلمُ ولا أعلمُ وأنت علاَّمُ الغيوب ، اللهم إن كنت تعلمُ أن هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري _ أو قال عاجل أمري وآجله _ فاقدره لي ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمرَ شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري فاصرفْه عني واصرفني عنه ثم ارضِني به ، ويُسَمِّي حاجته .
لماذا نخافُ من الشِرْك
مسألة : لماذا نخافُ من الشرك ؟
يجبُ علينا أن نخافُ من الشركِ لعدةِ أسباب هي ما يلي :
1)لأن الشركَ هو الذنبُ الذي لا يُغْفرُ إذا لم يتبْ الإنسانُ منه ، قال الله تعالى: (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَىَ إِثْماً عَظِيماً) [سورة: النساء ( النساء / 48 )
ويترتبُ على ذلك : الحرمانُ من الجنةِ والخلودُ في النارِ وإحباطُ العمل . قال الله تعالى )إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ( المائدة / 72 )
وقال تعالى (وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)( الزمر / 65 )
3) لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان يخافُ من الشرك :
فقد دعا الله سبحانه أن يُجنبه وبنيه عبادة الأصنام ، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَن نّعْبُدَ الأصْنَامَ)
( إبراهيم / 35 )
الشاهد : إذا كان إبراهيمُ عليه السلام الذي هو خليلُ الرحمن وإمامُ الحنفاء ، والذي جعله الله أمة والذي ابتلاه بكلماتٍ فأتمهن ، وأمره بذبحِ ابنه وفلذةِ كبده طاعةً لله وامتثالاً لأمره ، والذي كسَّرَ الأصنام واشتد نكيرُه على أهلِ الشرك ،يخافُ من الشرك ، فمن بابِ أولى أن نخافَ على أنفسنا من الشرك .
3)أن الشركَ في أمتنا أخفى من دبيبِ النمل على الصفا ِ :
(حديثُ ابن عباس في صحيحِ الجامع )أن النبي r قال :الشركُ في أمتي أخفى من دبيبِ النملِ على الصفا .
حكم من تعلق تميمةً لرفعِ البلاءِ أو دفعه
مسألة : ما حكم من تعلق تميمةً لرفع البلاءِ أو دفعه ؟
المسألة على التفصيلِ الآتي :
1)إن اعتقد أن التميمةَ تؤثر بنفسها دون الله تعالى وأنها تملك الضرَ والنفع فقد أشرك شركاً أكبر لأنه لا يملكُ الضر والنفع إلا الله تعالى
2)وإن اعتقد أن التميمةَ لا تؤثر بنفسها ولكنها سبب فقد أشرك شركاً أصغر لأنه حكم على كونها سبب في حين أن الله تعالى لم يقلْ أنها سبب ، فهو بذلك جعل نفسه شركاً مع الله في الحكم على أنها سبب
(حديثُ عقبة ابن عمر في السلسلةِ الصحيحة ) أن النبي r قال من تعلَّق تميمةً فقد أشرك .
قال الشيخُ حافظ الحكمي :
ومـنْ يثــقْ بِودْعَـةٍ أو نابِ |
|
أو حلْقَةٍ أو أعيـنِ الذئاب |
أو خيطٍ أو عضوٍ من النسـورِ |
|
: أو وتـَرٍ أو تـُرْبَةِ القبـور |
لأي أمـــرٍ كائــنٍ تعلَّقـه |
|
وكَلَه الله إلى مـا علَّقـــه |
ِ
ِ
مسألة : ما هي التميمة ؟
التميمةُ :خرزةٌ كان العربُ يُعَلِقُونها لدفعِ البلاءِ فأبطل النبي r فعلهم وجعله شركاً .
حكم تعليق التميمة إن كانت من القرآن
مسألة : ما حكم تعليقِ التميمةِ إن كانت من القرآن ؟
للسلفِ في هذه المسألةِ قولين :
(الأول) يجوز تعليقُ التميمةِ إن كانت من القرآن وحملوا حديث عقبة ابن عامر ( من تعلق تميمةً فقد أشرك ) على التمائم التي فيها شرك
(الثاني) _ وهو الراجح _ أن ذلك لا يجوز للأسبابِ الآ تيه :
1) عمومُ النهي في حديثِ عقبةَ ابن عامر ( من تعلَّقَ تميمةَ فقد أشرك )
2) سداً للذريعةِ لئلا يُفضي ذلك إلى تعليقِ ما ليس كذلك
3) ثم إنه إذا تعلَّق التميمةَ التي فيها قرآن لابدأن يمتهنها بحملها معه في حالِ قضاءِ الحاجة والاستنجاء وما شابه ذلك
{ تنبيه } إذا كانت التميمةُ من سوى الوحيين فإنها شرك قولاً واحداً لحديثِ عقبةَ ابن عامر ( من تعلَّق تميمةً فقد أشرك )
قال الشيخُ حافظ الحكمي :
وفـي التـمـائــمِ المعلَّقـاتِ |
|
إن تكُ آيـــاتٍ مـبيـناتِ |
فالاختــلافُ واقِعٌ بين السـلف |
|
فبعضهم أجازها والبعضُ كف |
وإن تكن مما ســوى الوحيينِ |
|
فإنها شـــركٌ بغيرِ مَيـْن |
بل إنـها قســــيمةُ الأزلامِ |
|
في البُعدِعن سيما أوي الإسلام |
حكـم الرُقَـى
مسألة : ما حكم الرُقية ِ
الرقيةُ جائزةٌ بثلاثةِ شروط :
1) أن تكونُ الرقيةُ بكلامِ الله تعالى أو بأسمائه وصفاته
2) أن تكون باللسان العربي الذي يُفهم معناه
3) أن يُعْتَقَد أن الرقيةَ لا تؤثر بنفسها بل بتقديرِ الله تعالى
*الأدلة على جواز الرقيةِ الشرعية :
(حديث عوف ابن مالك في صحيحِ مسلم ) قال كُنا نَرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ قال : أعرضوا عليَّ رُقاكم لابأس بالرُقى ما لم يكن شركاً .
(حديث عائشةَ في الصحيحين ) قالت كان رسولُ الله r إذا أتى مريضاً أو أُتِيَ به إليه قال : أذْهِب البأس ربِ الناس اشفِ أنت الشافي لاشفاء إلا شفاءك شفاءاً لايُغادرُ سقماً .
(حديث عائشة في الصحيحين ) أن النبي r كان يقول للمريض : بسم الله تُرْبةُ أرضنا بريقةِ بعضنا يُشفى سقِيمنا بإذن ربنا .
(حديث أبي سعيد في صحيح مسلم ) أن جبريل عليه السلام أتى النبي r فقال يا محمدُ أشتكيت ؟ قال نعم ، قال بسم الله أرقيك من كل شئٍ يُؤذيك ومن شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ الله يشفيك بسم الله أرقيك .
مسألة : هل يجوز الرقية بكلامٍ مجهولِ المعنى ؟
لا يجوز لأنه قد يكون شركاً وأنت لا تدري
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله
ثم الرُقى من حُمــَةٍ أو عيـنِ |
|
فإن تكن من خـالصِ الوحـيين |
فذاك من هدْي النبـي وشِرْعَته |
|
وذاك لا اختـلاف في سُـنِيـَتِه |
أما الرُقى المجهولةَ المعــاني |
|
فذاك وســواسٌ من الشـيطانِ |
وفيـهِ قـد جـاء الحديـثُ أنه |
|
شــركٌ بلا مرة فاحـذرنَّـه |
إذْ كلُ من يقــوله لا يــدري |
|
لعله يكـونُ محـضُ الـكفــرِ |
أو هـُوَ من سحرِ اليهودِ مُقْتبس |
|
علـى العـوامِ لبَّســوه فالتبس |
فحـذراً ثم حذارِ منــــه |
|
لا تعـرِفُ الحـقَ وتنأى عنــه |
مسألة : ما الدليل على أن من الرُقى ما يكون شركاً ؟
(حديث ابن مسعود في صحيح ابن ماجة ) أن النبي r قال إن الرُقى والتمائمَ والتِوَلَةَ شرك .
حكم من تبرك بحجرٍ أو شجرٍ ونحوهما
مسألة : ما حكم من تبرك بحجرٍ أو شجرٍ ونحوهما ؟
من تبرك بحجرٍ أو شجرٍ أو قبرٍ فقد وقع في الشرك مثل ما وقع فيه مشركي العرب ، وقد وبَّخهم الله تعالى وذمَّهم وأنكر عليهم قُبح فعلهم وشركهم حيث كانوا يعظمون الحجر والشجر والقبور ويعتقدون أنها تقربهم من الله زُلفى أو أنها تملكُ الضر والنفع .
قال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاّتَ وَالْعُزّىَ، وَمَنَاةَ الثّالِثَةَ الاُخْرَىَ) ( النجم/ 19 ،20)
{ تنبيه } الاستفهام الذي في الآية استفهام استنكاري غرضه التوبيخ ، والمعنى هل تنفعكم فتكشفُ عنكم ضراً أو تجلبُ لكم نفعاً فقد وقعتم في الشرك بسبب أحجار وأشجار لا تنفع ولا تضر .
مسألة : ما معنى اللات ؟
اللات : قرأها الجمهور بالتخفيف وقرأها ابن عباس بالتشديد(اللاَّت) قال ابن كثير رحمه الله تعالى :اللات بالتحفيف صخرةٌ بيضاء منقوشٌ عليها بيتٌ بالطائف ، وبالتشديد على قراءةِ ابن عباس (اللاَّت)كان رجلاً يَلُّتُ السويق للحاج ويبيعه عند صخرة فلما ملت عكفوا على قبره وعبدوه . ولا منافاة بين القولين فإنهم قد وقعوا في الشرك سواء بتعظيم الحجرِ أو الشجر .
أما العُزى ومناه فكانت أشجارٌ يتبركون بها ويُعظمونها
(حديث أبي واقد في صحيح الترمذي) قال خرجنا مع رسول الله r
إلى حُنين ونحن حُدثاء عهدٍ بكفر وللمشركين سدرةٌ يعكفون عندها وينُطون بها أسلحتهم يُقال لها ذاتُ أنواط ، فمررنا بسدرةٍ فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذاتَ أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله r –الله أكبر- إنها السُنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة قال إنكم قومٌ تجهلون ، لتركبُن سنن من قبلكم .
مسألة ما معنى يعكفون عندها ؟
العكوف هو الإقامة على الشيء ، وكان عكوفهم على تلك الشجرة تبركاً بها وتعظيماً لها .
مسألة : ما معنى ينوطون بها أسلحتهم ؟
أي يعلِّقون بها أسلحتهم وكانوا يفعلون ذلك تبركاً بهذه الشجرة
مسأله : ما معنى إنها السنن ؟
السنن : أي الطرق
مسألة : لماذا نهى النبي r عن اتخاذ السدرة لما طلبها المسلمون ؟
نهى النبي r عن اتخاذ السدرة لما طلبها المسلمون لأنه r علم أتهم يريدونها تعظيماً لها وتبركاً بها فنهى عن ذلك حمايةً لجنابِ التوحيد
أما لوعلم النبي r أنهم يريدون الشجرة ليستظلوا بظلها لما نهاهم عن ذلك
حكم التِّــوَلة
مسألة : ما هي التِّوَلةُ وما حكمها ؟
التِّوَلةُ : شئٌ كانت المرأةُ تصنعه تجلبُ به محبةَ زوجها ، وهو ضربٌ من السحر ، وإن الذين يفعلون ذلك هم ضالين مضلين وإن زعموا أنهم مسلمون متدينون وأنهم يكتبون من القرآن لأنهم يكتبون على طريقةِ اليهود حروفاً مقطعة بمدادٍ خاص ويمزجونه بأدعيةٍ جاهلية وبخطوطٍ يزعمون أنها على صورةِ خَاتمِ سليمان الذي كان فيه سرِ ملكه ، كمايزعم اليهود الذين يعتقدون كفر سليمان عليه السلام ,انه كان يسخر الجن بالسحر لا بمعجزةٍ من الله تعالى ، وعلى هذه العقيدة اليهود الدجَّالون الذين يكتبون التمائم والتََِّوَلات ويزعمون أن للحروفِ والأسماء خُدَّاماً يقومون بما يُطلبُ منهم من الأعمالِ السحرية ويتخذون أنواعاً من البخور والأدواتِ المخصوصة التي يوحي بها شياطينهم وكل ذلك من الكفر العظيم .
حكم التِّــولة : التولة حرام قولاً واحداً
(حديث ابن مسعود صحيحي أبي داود وابن ماجة ) أن النبي r قال : إن الرقى والتمائم والتِّوَلة شرك .
مسالة هل التِّـولة تنافي التوحيد ؟
التِّـَولةُ تنافي التوحيد لأن فيها اعتقاد بأن أحداً غيرُ الله يملك الضرَ والنفع ، وهذا شركٌ في الربوبية التي أخص خصوصها أن الذي يملكُ الضر والنفع هو الله تعالى وحده .
حكم الذبح لغير الله
مسألة : ما حكم الذبح لغير الله ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
1)أن يذبح لغير الله تقرباً وتعظيماً فقد أشرك شركاً أكبريخرج من الملة ، لأنه أشرك مع الله غيره في العبادة ( الذبح ) ، لأن الذبح نوعُ من أنواع العبادة ومن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله فقد أشرك شركاً أكبر في العبادة .
( حديث علي في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : لعن الله من لعن والديه ، ولعن الله من ذبح لغير الله ، ولعن الله من آوى مُحِْدثاً ، ولعن الله من غيَّرَ مَناطَ الأرض .
2)أن يذبح لغير الله إكراماً له : كإكرامِ الضيف فهذا جائزٌ ومشروع كقوله تعالى ( الذاريات 26/27 )
لا يُذبح بمكان كان يُذبحُ فيه لغيرِ الله
مسألة : هل يجوز الذبح في مكان كان يُذْبحُ فيه لغيرِ الله تعالى ؟
لا يجوز الذبح في مكان كان يُذبحُ فيه لغير الله ، ولا في مكان كان فيه عيدٌ من أعيادِ الجاهلية حمايةً لجنابِ التوحيد وسداً لطرق الشرك .
(حديث ثابت ابن الضحاك في صحيح أبي داود ) قال نذر رجلٌ أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل النبي r فقال : هل كان فيها وثنٌ من أوثانِ الجاهليةِ يُعبد؟ قال لا ، قال : فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم ؟ قال لا فقال رسول الله r : أوفِ بنذرك فإنه لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ الله ولا فيما لا يملكُ ابن آدم .
الشاهد : أن النبي r علَّقَ الموافقةَ على وفاء النذر بشرط أن لا يكون هذا المكان كان فيه وثنٌ من أوثانِ الجاهليةِ أو عيدٌ من أعيادهم حمايةً لجنابِ التوحيد ، ولأنه لا يجوز الفاء بنذرٍ في معصيةِ الله
( حديث عائشة في صحيحِ البخاري ) أن النبي r قال : من نذر أن يُطيعَ الله فَليُطِعْه ومن نذر أن يعصهِ فلا يعصه .
حكـم النـذرِ لغيرِ اللـه
مسالة : ما حكم النذرِ لغير الله ؟
النذرلغيرِ الله شركٌ في الألوهية ، لأن النذرَ نوعٌ من أنواعِ العبادة ، وتوحيد الألوهية هو إفرادُ الله بالعبادة
مسألة : من نذر لغير الله هل يوفي بنذره ؟
من نذر أن يعصي الله فلا يعصه
(حديث عائشة في صحيحِ البخاري ) أن النبي r قال : من نذر أن يطيع الله فلْيُطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه .
حكم الاستعاذة بغير اللـه
مسألة : ما معنى الاستعاذة ، وما حكم الاستعاذة بغير الله ؟
الاستعاذة هي : الالتجاء والاعتصام بالله من شرِ كلِ ذي شر
قال تعالى قال تعالى: (وَإِمّا يَنزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ) [سورة: فصلت - الآية: 36]
حكم الاستعاذة بغيرِ الله : شركٌ في الألوهية ، لأن الاستعاذة نوعٌ من أنواع العبادة ، وتوحيدُ الألوهيةِ هو إفرادُ الله بالعبادة
مسألة : هل يجوز الاستعاذة بكلامِ الله تعالى ؟
يجوز الاستعاذة بكلامِ الله تعالى لأن كلامَ الله غيرُ مخلوق
(حديث خولة بنت حكيمٍ السُلَمِية في صحيح مسلم )أن النبي rقال : من نزل منزلاً فقال أعوذُ بكلماتِ الله التاماتِ من شر ما خلق لم يضره شئٌ حتى يرتحل من منزله ذلك .
(حديث ابن عباس في صحيح البخاري ) قال كان النبي r يُعَوِّذُ الحسنَ والحسين ويقول كان أبا كما يُعَوِّذُ بهما إسماعيلَ وإسحاق { أعوذُ بكلمات الله التامة من شر كلِ شيطانٍ وهامة ومن كلِ عينٍ لامة }
حكم دعاء غير الله
مسألة : ما حكم دعاء غيرِ الله ؟
حكم دعاء غير الله شركٌ في الألوهية ، لأن الدعاء نوعٌ من أنواع العبادة وتوحيد الألوهية إفراد الله بالعبادة .
قال تعالى: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبّه إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [سورة: المؤمنون - الآية: 117]
الشاهد : أن الله تعالى سمَّى من يدعو غيرَ الله كافر
(حديث النعمان ابن بشير في صحيحي أبي داود والترمذي ) أن النبي r قال : الدعاء هو العبادة .
حكم الاستغاثة بغير الله
ما حكم الاستغاثة بغير الله ؟
الاستغاثة بغيرِ الله شركٌ في الألوهية ، لأن الاستغاثةَ نوعٌ من أنواعِ العبادة ، وتوحيد الألوهيةِ هو إفرادُ الله تعالى بالعبادة
مسألة : ما الفرق بين الدعاءِ والاستغاثة ؟
بين الدعاء والاستغاثة عمومٌ وخصوص ، فكلاهما دعاء غير أن الدعاء يكون في جميع الأحوال أما الاستغاثة فلا تكون إلا عند الكرب
مسألة : ما الدليل على الاستغاثة بغيرِ الله شرك ؟
الدليل قوله تعالى : ( المؤمنون / 117)
الشاهد : أن الله تعالى سمَّى من دعا غير الله كافر ، والاستغاثة نوعٌ من الدعاء .
مسألة : اذكر من السنةِ الصحيحة ما يدل على أن الاستغاثةَ لا تكون إلا بالله تعالى ؟
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) قال قام رسولُ الله r حين أُنزل عليه ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) فقال : يا معشرَ قريشٍ – أوكلمةٍ نحوها - اشتروا أنفسكم لاأُغني عنكم من اتلله شيئاً ، ياعباسُ ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً ، ويا صفيةُ عمةُ رسولِ الله لا اغني عنكِ من الله شيئاً ، ويا فاطمةُ بنتِ محمدٍ سليني من مالي ما شئتِ لا أغني عنكِ من الله شيئاً .
الشاهد : في الحديثِ حجةٌ على من تعلَّقَ بالأنبياءِ ورغب إليهم أن ينفعوه أو يدفعوا عنه ، فإن ذلك هو الشرك الذي حرَّمه الله تعالى وأقام نبيه r بالإنذار منه
مسألة : هل يجوز الاستغاثة بمخلقٍ في الأمور الحسية كاستنقاذ غريق ؟
نعم يجوز ذلك بل أنه من الأمور المحمودة ، ومما رغب فيه النبي r ولكن بشرط ألا يعتقد أن هذا المخلوق يملك الضر والنفع ، فإن اعتقد أنه يملك الضر والنفع فقد أشرك في الربوبية .
(حديث أبي موسى في الصحيحين ) أن النبي r قال : عاى كل مسلمٍ صدقة ، قالوا يا نبي الله فمن لم يجد ؟ قال : يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدَّق . قالوا فإن لم يجد ؟ قال : يُعينُ ذا الحاجةِ الملهوفِ فإنه له صدقة . قالوا فإن لم يجد ؟ قال : فليعمل بالمعروفِ وليُمسك عن الشرِ فإنه له صدقة .
الشاهد : قوله r يعين ذا الحاجة الملهوف
حكم التـوســل
مسألة : ما هو حكم التوسل ؟
التوسلُ نوعان : مشروع وغيرُ مشروع
[أولاً التوسلُ المشروع]
وهو قسمان :
القسم الأول : التوسلُ بالإيمانِ بالله وبرسوله وبالأعمالِ الصالحة .
فمثال التوسلِ بالإيمانِ بالله ورسوله أن يقول القائل اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد .
(حديث بُريدة في صحيحي أبي داود والترمذي) أن النبي r سمع رجلاً يقول اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحدُ الصمد الذي لم يلد ولم يُولد ولم يكن له كفواً أحد فقال : لقد دعها الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب وإذا سُئِلَ به أعطى
ومثال التوسل بالأعمال الصالحة مثل قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار
وانحدرت الصخرة عليهم فأغلقته فتوسلوا إلى الله تعالى بصالحِ أعمالهم
القسم الثاني من التوسل المشروع : وهو التوسل بدعائه يوم كان حياً
كما طلبت المرأة السوداء منه r أن يكشف عنها الصرع
(حديث عطاء ابن أبي رباح في الصحيحين) قال : قال لي ابن عباس رضيَ الله عنهما ألا أُريك امرأةً من أهل الجنة ؟ قلتُ بلى ، قال هذه المرأةُ السوداء ، أتت النبي r فقالت إني أُصرع وإني أتكشف فادعُ الله لي . قال إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة وإن شئتِ دعوتُ الله أن يُعافيكِ فقالت أصبر ، فقالت إني أتكشف فادعُ الله لي ألا أتكشف فدعا لها .
{تنبيه} : هذا التوسل بدعاء النبي r قد انقطع بموته فلا يجوز لمسلمٍ أن يأتي على قبر النبي r ويسأل حاجةً أو غفران ذنب ، والدليل على ذلك أنه في خلافة عمر رضي الله عنه انقطع المطر فاستسقى عمرُ بالعباس ابن عبد المطلب رضيَ الله عنه
(حديث عمر في صحيح البخاري) قال : كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس ابن عبد المطلب وقال : اللهم إنا كُنا نتوسل بنبينا فتُسقينا وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا ، فَيُسْقَوْن .
الشاهد من الحديث :
لو كان التوسل بالنبي r بعد موته مشروع لما عدلت الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله r إلى غيره لأنهم أحرص الناس على الخير وأعلم الناس بما يُجيزه الشرع
[ثانياً التوسل الممنوع ]:
مثل التوسل بجاه النبي r أو بولي أو رجلٍ صالح قال تعالى: (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُوَاْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ) ( المائدة / 35 )
الشاهد : أن الضمير راجع إلى الله تعالى لا على غيره .
مسألة الشفاعة
مسألة : ما معنى الشفاعة وما أنواعها ؟
الشفاعة هي التوسط للغيرِ في جلب منفعة أو دفع مضرة
أنواع الشفاعة
1) الشفاعة المثبتة : التي أثبتها الله تعالى في كتابه وهي لأهل الإخلاص
2)الشفاعة المنفية : التي من غير الله أو بغير إذنه أو لأهل الشرك به .
مسألة : ما هي شروط الشفاعة المثبتة ؟
للشفاعة المثبتة ثلاثة شروط :
1) إذن الله تعالى في الشفاعة
2) رضا الله تعالى عن الشافع
3) رضا الله تعالى عن المشفوع له
وقد اجتمعت الشروط الثلاثة في سورة النجم ن قال تعالى قال تعالى: (وَكَمْ مّن مّلَكٍ فِي السّمَاوَاتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىَ) ( النجم / 26)
الشاهد :
**** (يأذن الله ) تضمنت إذن الله تعالى
( ويرضى ) تضمنت رضا الله تعالى عن الشافع والمشفوع له
مسألة : ما هي شروط المشفوع له لكي يُشْفعَ له ؟
( أن يموت على التوحيد وإن كان من أهل الكبائر )
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي r قال لكل نبيٍ دعوةٌ لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته و إني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا .
الشاهد :
*****قوله r فهي نائلةٌ إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً
(حديث أنس في صحيح أبي داود ) أن النبي r قال شفاعتي لأهلِ الكبائرِ من أمتي .
مسألة : ما هي أنواع الشفاعة المثبتة ؟
أنواع الشفاعة المثبتة :
1) الشفاعة العظمى : وهي شفاعته r إلى الله تعالى في أهل الموقف
لفصلِ القضاء بينهم وهي خاصةٌ به r وهي المقام المحمود الذي ذكر الله تعالى ووعده إياه
قال تعالى: (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً) ( الإسراء / 79 )
وأمرنا النبي r أن نسأل الله تعالى له هذا المقام بعد كل أذان
( حديث جابر في صحيح البخاري ) أن النبي r قال : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة .
( حديث ابن عمر في صحيح البخاري ) قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون : يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .
( حديث أنس في الصحيحين ) أن النبي r قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيأتونني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل .
[2] شفاعة النبي r في استفتاح باب الجنة
وهذه الشفاعةُ أيضاً خاصةٌ بالنبي r
( حديث أنس في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الناس تبعاً .
(حديث أنس في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك .
[3] الشفاعة في إخراج الموحدين من النار :
(حديث أنس في صحيح البخاري)أن النبي r قال : يخرج قومٌ من النار بعد ما مسهم منها سفعٌ فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين .
(حديث أبي سعيد في صحيح الترمذي ) أن النبي r يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان .
[4] شفاعة في زيادة درجات الجنة لمن دخلها
[5] شفاعة فيمن يستحق دخول النار أن لا يدخلها
[6] الشفاعة في تخفيف عذاب بعض الكفار
وهذه خاصة بنبيناr في عمه أبي طالب
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أنه سمع النبي r وذكر عنده عمه 0فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه - يعني أبا طالب - .
مسألة : من أسعد الناس بشفاعة النبي r ؟
أسعدُ الناس بشفاعة النبي r من قال لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه
( حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي r قال أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا مخلصا من قلبه .
مسألة : هل يخرج أقوامٌ من النار برحمة الله تعالى بدون شفاعة الشافعين ؟
نعم دلَّت السنة الصحيحةُ على حصول ذلك
( حديث أبي سعيدٍ في الصحيحين) أن النبي r قال : فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار : بقيت شفاعتي فيقبضُ قبضةً من النار فيخرج أقواماً قد امتحشوا فيُلقون في نهرٍ بأفواه الجنة يُقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل .
مسألة : اذكر الدليل على الشفاعة المنفية ؟
الدليل قوله تعالى: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِينَ) ( المدثر/ 48)
وقد وبَّخ الله تعالى اعتقاد المشركين الذين أشركوا مع الله تعالى من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ، وقد قطع الله تعالى الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعا ، وتفصيل ذلك كالآتي :
أن المشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له من النفع ، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلةٌ من أربع خصال هي :
1) إما أن يكون مالكاً لما يريده عابده منه
2) فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك
3) فإن لم يكن شريكاً للمالك كان معيناً له وظهيراً
4) فإن لم يكن معينا ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده
وقد نفى الله تعالى هذه المراتب الأربع نفياً مرتباً منتقلاً من الأعلى إلى الأدنى قال تعالى ( سبأ / 23)
مسألة : ما هي أقسام الناس في الشفاعة ؟
انقسم الناس في الشفاعة إلى ثلاثة أقسام كالتالي :
- · القسم الأول : قسمٌ نفوْا الشفاعة وهم الخوارج والمعتزلة حيث نفوْا الشفاعة لأهل الكبائر
- · القسم الثاني : قسمٌ أثبتوا الشفاعة للأ صنام وهم المشركون
- · القسم الثالث : قسمٌ أثبتوا الشفاعة بثلاثةِ شروط هي
1) إذن الله تعالى للشافع 2) رضاه تعالى عن الشافع
3 ) رضاه تعالى عن المشفوع له ، وهم أهل السنةِ والشفاعة
هداية التوفيق بيد الله تعالى وحده
مسألة : اذكر الدليل من السنة الصحيحة على أن هداية التوفيق بيد الله تعالى وحده ؟
(حديث سعيد ابن المسيَّب عن أبيه الثابت في الصحيحين) قال لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة جاءه رسول الله r فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أمية بن المغيرة فقال رسول الله r : يا عم قل لا إله إلا الله كلمةً أشهد لك بها عند الله ، فقال ابوجهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب أتر غبُ عن ملةِ عبد المطلب ؟ ، فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعيدُ له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو على ملةِ عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله ، فقال رسول الله r أما والله لأستغفرنَّ لك ما لم أُنه عنك فأنزل الله تعالى: (مَا كَانَ لِلنّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوَاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوَاْ أُوْلِي قُرْبَىَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [سورة: التوبة - الآية: 113]
مسألة : ما الحكمة من عدم هداية أبي طالب على يدِ رسول الله r ؟
الحكمةُ في عدم هدايةِ أبي طالب على يدِ رسولِ الله r حكمةٌ بالغةٌ قضاها الله تعالى يستوجب الحمد على اقتضاها وهي أن يوقن العباد أن هداية التوفيق التي بمعنى خلق الهداية في قلب العبد لا يملكها إلا الله تعالى ، فهي إليه سبحانه مصروفة وعلى مشيئته موقوفة قال تعالى: (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مّرْشِداً)
[الكهف /17 ]
و قال تعالى: (لّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة / 272 ]
وقال تعالى: (إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [ القصص/56 ]
ولو كان أحدٌ غير الله تعالى يملك هداية التوفيق لكان أولى بها النبي r الذي هو أفضل الأنبياء والمرسلين ، وهذه نقطة عقدية في غاية الأهمية لمعالجة مسألة هامة وهي ( أن لا نجعل للنبي r منزلةً فوق منزلته ولا منزلةً هي من خصائص الله تعالى ) فمن اعتقد أن أحداً غير الله يملك هداية التوفيق فهو أضلُ من حمار أهله .
التحذير من الغلو في الصالحين وأنه سبب كفر بني آدم
مسألة : ما معنى الغلو ؟
الغلو هو الإفراط في التعظيم والمدح والاعتقاد ، والله تعالى يقول: (يَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ) [النساء/171 ]
ومعنى لا تغلو في دينكم : أي لا ترفعوا المخلوق عن منزلته التي أنزله ولا تُنزلوه منزلة لا تنبغي إلا لله تعالى . وجديرٌ بالذكر أن أول شركٍ وقع في الأرض كان بسبب الغلو في الصالحين حينما أفرط قوم نوحٍ في إطراء الصالحين من قومهم كما سيتضح في الحديث الآتي
( حديث ابن عباس في صحيح البخاري ) في قوله تعالى وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً ، قال هذه أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولئك ونُسي العلم عُبدت .
وحاصل معنى الحديث
************* أن يغوث ويعوق ونسراً كانوا ناساً صالحين من قوم نوح ، فلما ماتوا أمحى الشيطان إلى قومهم أن صوِّروا لهم تماثيل لتتذكروا أعمالهم الصالحة فتجتهدوا كاجتهادهم ولو يعبدوهم ، ثم خلفهم قومٌ جهلوا مرادهم فوسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوهم ووقعوا في الشرك والعياذ بالله وكذلك كان سبب كفر النصارى هو الغلو والإفراط في التعظيم فقد عظَّموا المسيح عليه السلام وأفرطوا في ذلك حتى اتخذوه إلهاً فوقعوا في الشرك ، وقد حذرنا النبي r من ذلك كما سيتضح في الأحاديث الآتية
( حديث عمر في صحيح البخاري ) أن النبي r قال : لا تطروني لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله و رسوله .
(حديث عبد الله ابن الشخير في صحيح أبي داود ) قال انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله r فقلنا أنت سيدنا فقال : السيد الله تبارك وتعالى ، قلنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً فقال : قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان .
باب في التغليظ فيمن عبد الله عند القبر
مسألة : اذكر من السنة الصحيحة ما يدل على نهي النبي r عن الصلاة عند القبر ؟
(حديث عائشة في الصحيحين) أن أم سلمة ذكرت لرسول الله r كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال : أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوْا على قبره مسجداً وصوَّروا فيه تلك الصور أولئك شرارُ الخلق عند الله يوم القيامة .
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي r قال في مرضه الذي مات فيه لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي r قال : اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبورا .
مسألة : لماذا نهى النبي r وزجر من يعبد الله تعالى عند القبر؟
نهى النبي r وزجر من يعبد الله عند القبر حمايةً لجناب التوحيد وسداً لطرقِ الشرك ، ولئلا يحدث في هذه الأمة ما حدث في قوم نوح فإن قوم نوحٍ أشركوا بسبب تماثيل
*قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : إن الشرك بقبر الرجل الذي يُعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بتمثالٍ من حجرٍ أو خشب .
{ تنبيه } : لهذا نهى النبي r عن الصلاة في المساجد التي فيها قبر سواء أكان فيها تماثيل أم لا ، لأنه إن كان فيها تماثيل فقد جمعوا بين فتنتي التماثيل والقبور وإن لم يكن فيها تماثيل فلا يخفى على الناس أن الشرك بقبر الجل الذي يعتقد صلاحه أقرب إلى النفوس من الشرك بالتمثال .
مسألة : ما معنى قول النبي r اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً ؟
معنى الحديث : أي لأن القبور ليست محلاً للعبادة ، فكذا لا تجعلوا بيوتكم مثلها بأن تجعلوها للنوم فقط بل صلوا فيها من النوافل حتى لا تكون مثل القبر
باب لا يُتخذ القبر عيــداً
مسألة : لماذا نهى النبي r أن يُتخذ قبره عيداً ؟
نهى النبي r أن يتخذ قبره عيداً حمايةً لجناب التوحيد وسداً لطرق الشرك
(حديث أبي هريرة في صحيح أبي داود) أن النبي r قال لا تجعلوا بيوتكم قبورا و لا تجعلوا قبري عيدا و صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم .
مسألة : ما معنى العيد ؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : العيدُ اسمٌ لما يعود من الاجتماع العام على وجهٍ معتاد ، إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر ونحو ذلك .
هل يجوز شدِّ الرحال إلى قبر النبي r ؟
لا يجوز شدِّ الرحال إلى قبر النبي r ولا يجوز شدِّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد فقط كما بينته السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى
ما جاء في أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
مسألة : ما هو الوثن ؟
الوثن هو كل ما قصد بنوعٍ من أنواع العبادة من دون الله تعالى من القبور والتماثيل والأصنام وغيرها .
وقد أخبر النبي r أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
(حديث أبي سعيد في الصحيحين ) أن النبي r قال : لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر أو ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضَبٍ لسلكتموه قالوا : اليهود و النصارى ؟ قال : فمن ؟ .
{تنبيه} : أخبرنا النبي r أن بعض هذه الأمة يتبعون طرق اليهود و النصارى ، وإن من سننهم اتخاذ القبور بالتعظيم والعبادة – وقد وقع في الأمة مثل هذا .
ولذا قال سفيان ابن عيينة :
من فسد من علماؤنا ففيه شبةٌ من اليهود ومن فسد من عبادنا ففيه شبهٌ من النصارى
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : لا تقوم الساعة حتى تضطرب ألياتُ نساءِ دوسٍ على ذي الخلصة ، وذي الخلصةِ طاغيةُ دَوسٍ التي كانوا يعبدون في الجاهلية .
باب ما جاء في السحر
مسألة : ما هو السحر وما هو حقيقته ؟
السحر هو صرف الشئِ عن حقيقته ، وهو عبارة عن عزائم ورقى وعقد ، وهو يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرِّق بين المرء وزوجه .
قال تعالى: (وَاتّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشّيَاطِينُ عَلَىَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـَكِنّ الشّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّىَ يَقُولاَ إِنّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلّمُونَ مَا يَضُرّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) [ البقرة 102]
وقد سحر النبي r
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي r سُحِر حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشئ وما يفعله ، وأنه قال لها ذات يومٍ : أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال ما وجع الرجل ؟ قال مطبوب ، قال من طبَّه ؟ قال لبيد ابن الأعصم في مشطٍ ومشاطةٍ وفي جف طلع ذكر من بئر زر وان .
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله تعالى :
والســحرُ حـقٌ وله تأثيـــرُ |
|
لكن بمــا قدَّره القـديـــرُ |
أعنـي بـذا التقديـرِ ما قد قدَّره |
|
في الكون لا في الشرعة المطهرة |
مسألة : ما هي أدلة تحريم السحر ؟
الدليل قوله تعالى ( وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ) [البقرة/102]
معنى : من خلاق أي من نصيب ، قال الحسن البصري أي ليس له دين
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا يا رسول الله وما هن ؟ قال : الشرك بالله و السحر و قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق و أكل الربا و أكل مال اليتيم و التولي يوم الزحف و قذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
مسألة : ما هو حكم الساحر ؟
[فصل الخطاب في هذه المسألة] أن المسألة على التفصيل الآتي :
السحر نوعان :
[1] أن يكون بواسطة الشياطين والإشراك بهم فهذا كفر لأنه لا يتأتى إلا بالكفر والعياذ بالله
[2] يكون بالأدوية والعقاقير وما أشبهها التي تضرُ بالإنسان – فهذا فاسق- لكن إن اعتقد إباحته واستحلاله فقد كفر وإن لم يفعله لأن الذي يستحل الحرام فقد كفر وإن لم يفعله
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله تعالى :
ولا نُكَفِّرُ بالمعاصِي مؤمـنـــا |
|
إلا مع اسـتحلاله لمـا له جَنَى |
مسألة : ما هو حكم قتل الساحر ؟
الأئمة الثلاثة غير الشافعي على قتله لحديث الترمذي وصححه موقوفاً عن جندبٍ بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أنه قال : حَدُّ الساحر ضربه بالسيف .
وللأثر عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أمر بقتل السواحر ، وهكذا أمرت حفصة بقتل ساحرة سحرتها
[قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : وهذا هو الراجح لأنه فيه نصٌ صحيح ، ولأنه موافق للقواعد الشرعية لأن السحرة يسعوْن في الأرض فساداً ، وفسادهم من أعظم الفساد . ]
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله تعالى :
واحكم على الســاحرِ بالتكفيرِ |
|
وحدُّه القتــلُ بلا نكيــــرِ |
كمـا أتى في االسُـنةِ المُصَرَّحةْ |
|
ممـا رواه الترمِـذي وصحَحَّه |
عن جُنــْدِبٍ وهكذا في أثــرْ |
|
أمرٌ بقتلهم رُوي عن عمـــر |
وصَــحَّ عن حفصةَ عند مالكْ |
|
ما فيـه أقوى مُرْشِــدٍ للسالكْ |
وقال الشافعي رحمه الله تعالى : أنه لا يُقتلُ إلا إذا عمل في سحره ما يبلغ الكفر .
مسألة : ما معنى كلاً من العِيَافة _ الطرق _ الطِيَرة ، وكيف تكون من السحر ؟
العِيَافة : زجرُ الطير
وتكون من السحر إذا قُيِد للتشاؤم أو التفاؤل ، فيكون من السحر من جهة صرف الشيء عن حقيقته ، فلا علاقة لزجر الطير من تشاؤم أو تفاؤل .
{تنبيه] : أما زجر الطير لتعليمها أو للصيد عليها فلا يُعدُ من السحر ، وليس من هذا الباب .
الطرْق : هو ما تفعله النساء من ضرب خط بالأرض على سبيل الكهانة والسحر ، وهو الضرب بالحصى وتقول سيحصل كذا وكذا أو حصل كذا وكذا ، وهذا من السحر من جهة صرف الشيء عن حقيقته ، فلا علاقة بضرب الحصى عما حصل ما ضياً أو سيحصل في المستقبل .
الطِيرَة : هي التشاؤم بمعلومٍ أو مرئيٍ أو مسموع أو زمان أو مكان .
ولقد كان العرب يتشاءمون بأشياء كثيرة مسموعة ومرئية وبالزمان والمكان ، وإنما سُمِي التشاؤم بالطِيَرة لأن أغلب تشاؤم العرب كان بالطير ، كانوا يزجرون الطير فإن اتجه يميناً تفاءلوا وإن اتجه يساراً تشاءموا .
و الطِيرَة من السحر من السحر من جهة صرف الشيء عن حقيقته ، فلا علاقة للطير بتشاؤم أو تفاؤل .
(حديث أبو عبد الله الهلالي في صحيح ابن حبان ) أن النبي r قال : إن العيافة والطرْق والطِيرَةَ من الجبت .
مسألة : ما معنى الجبت ؟
الجبت : السحر
مسألة : هل تعلم علم النجوم يكون من السحر ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
ينقسم علم النجوم إلى قسمين هما
أولاً علم التأثير :
وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
[1] أن يعتقد أن هذه النجوم فاعلةٌ بنفسها تملك الضر والنفع وتؤثر في الحوادث الأرضية وتخلق الحروب وما إلى ذلك ، فهذا شركٌ أكبر في الربوبية ، فإن الله تعالى وحده هو الذي يملك الضر والنفع ولا دخل للنجوم في ذلك .
(حديث زيد بن خالد الجُهني في الصحيحين) قال صلى لنا رسول الله r صلاة الصبح بالحديبية على إثرِ سماءٍ كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال الله : أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله و رحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب و أما من قال : مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي و مؤمن بالكواكب .
[2] أن يجعلها سبباً يُدَعى بها علم الغيب : مثل أن يستدل بحركة النجوم على أنه سيكون في المستقبل كذا وكذا أو على أن الإنسان سيكون في حياته شقاء لأنه وُلد في النجم الفلاني أو أن آخر سيكون في حياته سعادة لأنه وُلد في النجم الفلاني ، وهذا أيضاً شركاً أكبر لأنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، قال تعالى: (قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ) [سورة: النمل - الآية: 65]
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وأن يقول معلما لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله وقوله تعالى: "إلا الله" استثناء منقطع أي لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل فإنه المنفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" الآية
[3] أن لا يعتقد أن النجوم فاعلةٌ بنفسها ولا يجعلها سبب يدعي علم الغيب ، ولكن يعتقد أنها سببٌ على حصول الشيء من الخير والشر ، كأن يقول أن النجم الفلاني يكون سبباً في المطر وليس أنه يؤثر بنفسه ، فهذا شركٌ أصغر لكونه حكم على كونها سبب .
{تنبيه} : وهذا النوع من علم النجوم [علم التأثير] يَحْرُم تعلمه وتعليمه وعليه يُحْملُ الحديث الآتي :
( حديث ابن عباس في صحيحي أبي داود وابن ماجة ) أن النبي r قال : من اقتبس شعبةً من النجوم فقد اقتبس شعبةً من السحر زاد ما زاد .
( من اقتبس ) أي تعلم من قبست من العلم واقتبست من الشيء إذا تعلمته والقبس شعبة من النار واقتباسها الأخذ منها
( شعبةً من النجوم ) أي من علم تأثيرها لا تسييرها فلا يناقض ما سبق من خبر تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر وقد مر التنبيه على طريق الجمع ( اقتبس شعبة من السحر ) أي قطعة من السحر المعلوم تحريمه ثم استأنف جملة أخرى بقوله
( زاد ما زاد ) يعنى كلما زاد من علم النجوم زاد له من الإثم مثل إثم الساحر .
ثانياً علم التسيير :
يستدل به على مصالح دينية [كأن يُستدل بالنجوم على جهة القبلة وأوقات الصلوات ] أو دنيوية [مثل أن يستدل بها على الجهات والفصول ]
وهذا النوع من علم النجوم جائز وعليه يحمل قوله تعالى : (وَبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) [سورة: النحل - الآية: 16]
[ وبالنجم] يعني : جميع النجوم " هم يهتدون " إلى الطرق والقبلة في البر والبحر .
مسألة : ما هي النميمة ، وكيف تكون من السحر ؟
النميمة نقل الكلام بين الناس بغرض الإفساد والتحريش بينهم ، وهي تشبه سحر التفريق بل هي أشر منه فإن من المعلوم شرعاً وعقلاً وبداهةً أن النمام يفسد في ساعة ما لا يُفسده الساحر في سنة كما نقله ابن عبد البر رحمه الله تعالى .
(حديث ابن مسعود في صحيح مسلم) أن النبي r قال : ألا أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة القالة بين الناس .
العضه : البُهْت
مسألة : ما معنى البيان ، ومتى يكون من السحر ؟
البيان هو الفصاحة والبلاغة في الكلام واستمالة القلوب بتحسين الأسلوب ، وهذا إن استخدم في إظهار الباطل وتغطية الحق يكون من السحر من جهة صرف الشيء عن حقيقته وعليه يحمل الحديث الآتي (حديث ابن عمر في صحيح البخاري) أنه قدم رجلان من أهل المشرقِ فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله r إن من البيان لسحرا أو إن بعض البيان سحر .
الشاهد قوله r ( إن من البيان لسحراً ) أي إن منه لنوعاً يحل من العقول والقلوب في التمويه محل السحر فإن الساحر بسحره يزين الباطل في عين المسحور حتى يراه حقاً فكذا المتكلم بمهارته في البيان وتفننه في البلاغة وترصيف النظم يسلب عقل السامع ويشغله عن التفكر فيه والتدبر له حتى يخيل إليه الباطل حقاً والحق باطلاً .
{تنبيه} : أما إذا استخدم البيان أو الفصاحة والبلاغة في الكلام واستمالة القلوب بتحسين الأسلوب في الدعوة إلى الله تعالى وإظهار الحق وإبطال الباطل فهذا محمود ومستحب .
مسألة : من هو الكاهن ؟
الكاهن رجلٌ يدعي علم الغيب في المستقبل ، وهو يتصل بالشياطين التي تسترق السمع من السماء ثم تأتي وتخبره بهذا الخبر ثم يضيف من الأخبار الكاذبة ثم يحدث ويخبر الناس فإذا وقع مما أخبر به شيءٌ اعتقد الناس أنه يعلم الغيب فصاروا يتحاكمون إليه ، وكان للعرب في كل قبيلة كاهن يتحاكمون إليه .
مسألة : ما حكم من أتى كاهناً ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
[1] أن يسأل الكاهن ويصدقه : فقد كفر بما أُنزل على محمدr بنص السنة الصحيحة
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داود والترمذي) أن النبي r قال :من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد .
الشاهد قوله r [فقد كفر مما أنزل على محمد ] أي كفر بالقرآن لأن القرآن أخبرنا أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى .
، قال تعالى: (قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ) [سورة: النمل - الآية: 65]
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وأن يقول معلما لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله وقوله تعالى: "إلا الله" استثناء منقطع أي لا يعلم أحد ذلك إلا الله عز وجل فإنه
المنفرد بذلك وحده لا شريك له كما قال تعالى: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو" الآية
{ تنبيه} : وحكمه هنا على التفصيل الآتي :
(أ) إن كان يعلم أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى ثم صدَّق الكاهن فهو كفرٌ يخرج من الملة .
(ب) وإن كان جاهلاً ولا يعتقد أن القرآن فيه شيءٌ كذب فهو كفر دون كفر
مسألة : هل نقول أن من صدَّ ق الكاهن كافر ؟
نقول أن التصديق كفر ولا نقول أن القائل كافر لأنه لا يجوز الحكم بتكفير الشخص إلا بعد وجود الشروط وانتفاء الموانع .
مسألة : ما الفرق بين الكاهن والعرَّاف ؟
الفرق بين الكاهن والعرَّاف : كلاهما يدعي علم الغيب إلا أن العراف بالتشديد وهو من يخبر بالأمور الماضية والكاهن يتعاطى الأخبار عن الأمور المستقبلة .
(حديث صفية بنت أبي عُبيد في صحيح مسلم ) عن بعض أزواج النبي r أن النبي r قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة .
( من أتى عرّافاً ) قال النووي : والفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن المستقبلة ويزعم معرفة الأسرار والعراف يتعاطى معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك ومن الكهنة من يزعم أن جنياً يلقي إليه الأخبار ومنهم من يدعي إدراك الغيب بفهم أعطيه وأمارات يستدلّ بها عليه
( فسأله عن شيء ) أي من المغيبات ونحوها ( لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) خص العدد بالأربعين على عادة العرب في ذكر الأربعين والسبعين ونحوهما للتكثير أو لأنها المدة التي ينتهي إليها تأثير تلك المعصية في قلب فاعلها وجوارحه وعند انتهائها ينتهي ذلك التأثير ، ذكره القرطبي ، وخص الليلة لأن من عاداتهم ابتداء الحساب بالليالي . وخص الصلاة لكونها عماد الدين فصومه كذلك .
مسألة : هل معنى قوله r ( لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) هل يلزم من عدم القبول عدم الصحة ؟
قال أهل العلم : أن المراد بالقبول هنا القبول التام الذي يحصل بها تمام الرضا وتمام المثوبة ، أو يقال أن نفي القبول هنا لأن السيئة التي فعلها تقابل تلك الحسنة في الميزان فإذا قابلتها يتساقطان يسقط بعضها بعضاً ، وبالتالي لا يكون لها أجرٌ ولكن مجزئة ومبرئة للذمة .
مسألة : ما هي النُشرة ، وما حكمها ؟
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : النُشرة حل السحر عن المسحور وهو نوعان :
[1] حل السحر بسحرٍ مثله وهوحرام بل هو من عمل الشيطان بنص السنة الصحيحة
(حديث جابر في صحيح أبي داود) أن النبي r قال : سئل عن النُشرة قال هي من عمل الشيطان .
[2] حل السحر بالرُقى والأدوية والدعوات المباحة وهو جائز ومشروع بل وربما يكون من باب تنفيس الكروب وتفريج الهموم عن المسلمين .
والرقيةُ جائزةٌ بثلاثةِ شروط :
1)أن تكونُ الرقيةُ بكلامِ الله تعالى أو بأسمائه وصفاته
2)أن تكون باللسان العربي الذي يُفهم معناه
3)أن يُعْتَقَد أن الرقيةَ لا تؤثر بنفسها بل بتقديرِ الله تعالى
*الأدلة على جواز الرقيةِ الشرعية :
(حديث عوف ابن مالك في صحيحِ مسلم ) قال كُنا نَرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ قال : أعرضوا عليَّ رُقاكم لابأس بالرُقى ما لم يكن شركاً .
(حديث عائشةَ في الصحيحين ) قالت كان رسولُ الله r إذا أتى مريضاً أو أُتِيَ به إليه قال : أذْهِب البأس ربِ الناس اشفِ أنت الشافي لا شفاء إلا شفاءك شفاءاً لا يغادر سقماً .
(حديث عائشة في الصحيحين ) أن النبي r كان يقول للمريض : بسم الله تُرْبةُ أرضنا بريقةِ بعضنا يُشفى سقِيمنا بإذن ربنا .
(حديث أبي سعيد في صحيح مسلم ) أن جبريل عليه السلام أتى النبي r فقال يا محمدُ اشتكيت ؟ قال نعم ، قال بسم الله أرقيك من كل شيءٍ يُؤذيك ومن شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ الله يشفيك بسم الله أرقيك .
مسألة : هل يجوز الرقية بكلامٍ مجهولِ المعنى ؟
لا يجوز لأنه قد يكون شركاً وأنت لا تدري
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله
ثم الرُقى من حُمــَةٍ أو عيـنِ |
|
فإن تكن من خـالصِ الوحـيين |
فذاك من هدْي النبـي وشِرْعَته |
|
وذاك لا اختـلاف في سُـنِيـَتِه |
أما الرُقى المجهولةَ المعــاني |
|
فذاك وســواسٌ من الشـيطانِ |
وفيـهِ قـد جـاء الحديـثُ أنه |
|
شــركٌ بلا مرة فاحـذرنَّـه |
إذْ كلُ من يقــوله لا يــدري |
|
لعله يكـونُ محـضُ الـكفــرِ |
أو هـُوَ من سحرِ اليهودِ مُقْتبس |
|
علـى العـوامِ لبَّســوه فالتبس |
فحـذراً ثم حذارِ منــــه |
|
لا تعـرِفُ الحـقَ وتنأى عنــه |
ومن صور النُشرة الجائزة بالأدوية والرقية :
نقرأ الآيات الآتية في إناء من ماء ثم يُصبُ على رأس المسحور
قال تعالى: (فَلَمّآ أَلْقُواْ قَالَ مُوسَىَ مَا جِئْتُمْ بِهِ السّحْرُ إِنّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [سورة: يونس - الآية: 81]
قال تعالى: (إِنّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتَىَ) [سورة: طه - الآية: 69]
*ومن صور حلِّ الربط [ الرجلُ الذي يُؤَخرُ عن امرأته]
قال ابن بطال رحمه الله تعالى : يأخذ سبع ورقات سدر أخضر فيُدق بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقوافل ثم يحسو منه ثلاثة حس وات ثم يغتسل به يذهب عنه كل ما به ، هو جيد للرجل إن حُبس عن أهله .
لل
مسألة : ما معنى التطير ، وما حكمه ، وهل التطير ينافي التوحيد ؟
التطيرُ هو التشاؤم بمسموعٍ أو مرئيٍ أو معلوم ، وسُمِّىَ بالتطير لأن غالبَ التشاؤم عند العرب كان بالطير ، كانوا يزجرون الطير فإذا ذهب يميناً يتفاءلون وإذا ذهب يساراً يتشاءمون .
حكمُ التطيـر : التطيرُ محرَّمٌ شرعاً
(حديثُ أبي هريرةَ في الصحيحين ) أن النبي r قال : لا عدوى ولا طِيَرَة ولا هامةُ ولا صفر وفرَّ من المجذومِ فرارك من الأسد .
مسألة : هل التطيرُ يُنافي التوحيد ؟
التطيرُ ينافي التوحيدَ من وجهين :
3) التطيرُ يقطعُ التوكلَ على الله الذي هو نصفُ الدين ، قال الله تعالى (إياك نعبدُ وإياك نستعين ) والاستعانة في الحقيقة ما هي إلا ثمرةُ التوكل .
4) أن المتطيرَ تعلقَ بشيءٍ لاحقيقةَ له ، واعتقد أن الطِيَرَةَ تملكُ الضرَ والنفع وهذا شرك والعياذُ بالله .
( حديثُ ابن مسعود في صحيحي أبي داود والترمذي ) قال الطِيَرَة شرك – ثلاثاً – وما منا إلا 000 ولكن يُذْهبه الله بالتوكل .
(حديثُ عبد الله ابن عمرو في السلسلة الصحيحة ) أن النبي r قال
من ردَّتْه الطِيَرَةُ عن حاجته فقد أشرك . قلتُ فما كفارةُ ذلك ؟ قال: أن تقول اللهم لاخيرَ إلا خيْرُك ولا طَيرَ إلا طَيْرُك ولا إله غيرُك .
مسألة : ما حكم الاستسقاء بالنجوم ؟
الاستسقاء بالنجوم حامٌ شرعاً لقوله تعالى: (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنّكُمْ تُكَذّبُونَ) [سورة: الواقعة - الآية: 82]
وجه الدلالة : أنه صح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير هذه الآية أن المراد بالرزق هنا المطر ، وأن التكذيب يكون بنسبته إلى الأنواء .
(حديث أبي موسى في صحيح مسلم) أن النبي r قال : أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن : الفخر بالأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم والنياحة .
( أربع في أمتي من أمر الجاهلية ) أي من أفعال أهلها : يعني أنها معاصي يأتونها مع اعتقاد حرمتها . والجاهلية : ما قبل البعثة ، سموا به لفرط جهلهم
( لا يتركونهن ) أي لا تترك أمتي شيئاً من تلك الخصال الأربع . ،
( الفخر بالأحساب) أي الشرف بالآباء والتعاظم بعدّ مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم ، وذلك جهل ، فلا فخر إلا بالطاعة ، ولا عز لأحد إلا بالله . والأحساب جمع حسب وهو ما يعده المرء من الخصال له أو لآبائه من نحو شجاعة ، وفصاحة .
( والطعن في الأنساب ) أي الوقوع فيها بنحو ذم وعيب : بأن يقدح في نسب أحد من الناس ، فيقول ليس هو من ذرية فلان ، وذلك يحرم ، لأنه هجوم على الغيب ودخول فيما لا يعني ،
( و الاستسقاء بالنجوم ) أي اعتقاد أن نزول المطر بظهور كذا ، وهو حرام ، لأنه إشراك ظاهر ، إذ لا فاعل إلا الله ، بل متى اعتقد أن للنجم تأثيراً كفر
( النياحة ) أي رفع الصوت بالندب على الميت ، لأنها سخط لقضاء الله ومعارضة لأحكامه .
(حديث زيد بن خالد الجُهني في الصحيحين) قال صلى لنا رسول الله r صلاة الصبح بالحديبية على إثرِ سماءٍ كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ، قال الله : أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر فأما من قال : مطرنا بفضل الله و رحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب و أما من قال : مطرنا بنوء كذا و كذا فذلك كافر بي و مؤمن بالكواكب .
ما معنى الاستسقاء بالنجوم ؟
الاستسقاء بالنجوم طلب السقي من النجوم
حكم الاستسقاء بالنجوم على التفصيل الآتي :
[1] أن يدعو الأنواء بالسقي كأن يقول : يا نوء كذا أغثنا اسقنا فهذا شركٌ أكبر في الألوهية والربوبية ، في الألوهية لأنه يدعو غير الله تعالى وتوحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة والدعاء نوعٌ من أنواع العبادة ، وفي الربوبية لأنه اعتقد أن أحداً غير الله تعالى يملك الضر والنفع .
[2] أن يعتقد أن هذه النجوم فاعلةٌ بنفسها وتنزل المطر بنفسها ، فهذا شركٌ أكبر في الربوبية ، لأنه اعتقد أن أحداً غير الله تعالى يملك الضر والنفع .
[3] أن لا يعتقد أن النجوم فاعلةٌ بنفسها ولا يجعلها سبب يدعي علم الغيب ، ولكن يعتقد أنها سببٌ على حصول الشيء من الخير والشر ، كأن يقول أن النجم الفلاني يكون سبباً في المطر وليس أنه يؤثر بنفسه ، فهذا شركٌ أصغر لكونه حكم على كونها سبب .
مسألة : ما هي مقامات الإيمان مع الدليل ؟
مقامات الإيمان هي المحبة والخوف والرجاء لقوله تعالى: (أُولَـَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىَ رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُوراً) [سورة: الإسراء - الآية: 57]
(حديث ابن مسعود في صحيح البخاري) قال [ أُولَـَئِكَ الّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىَ رَبّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ]كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم.
وحاصل معنى الحديث :أن ناساً من الإنس كانوا قد فتنوا بعبادة الجن ، فأسلم الجن وحققوا مقامات العبودية لله تعالى من المحبة والخوف والرجاء وظلَّ الإنس في ضلالهم من عبادتهم للجن ، فكأن الله تعالى عيَّر هؤلاء المفتونين من الإنس بأن أولئك الذين تدعون من دون الله أسلموا لله تعالى وحققوا مقامات العبودية لله تعالى من المحبة والخوف والرجاء .
قال مكحول الدمشقي رحمه الله تعالى ، وكان من الأئمة الصالحين وكان لأهل الشام كالحسن البصري للبصرة :
من عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو صدِّيق
و من عبد الله بالحب فقط فهو زنديق
و من عبد الله بالخوف فقط فهو حروري
و من عبد الله بالرجاء فقط فهو مُرْجِئي
مسألة : ما هي المحبة وما لوازمها وما هي أنواعها ؟
المقصود بالمحبة : هو استقرار حب الله تعالى في قلب العبد ، وبعد أن يستقر حب الله في القلب ينبغي أن يدل على صدق المحبة بالتقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة وامتثال أمره واجتناب نهيه .
[وأجمع ما قيل في المحبة]
قال أبو بكر الكتاني : جرت مسألة في المحبة بمكة أعزها الله تعالى أيام الموسم _ فتكلم الشيوخ فيها _ وكان الجُنَيد بن محمد أصغرهم سناً فقالوا : هات ما عندك يا عراقي ، فأطرق رأسه ودمعت عيناه ثم قال : عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه متصلٌ بذكر ربه ، قائمٌ بأداء حقوقه ، ناظرٌ إليه بقلبه ، أحرقت قلبُه أنوار هيبته ، فإذا تكلم فبالله وإذا تحرك فبأمر الله وإذا سكن فمع الله ، فهو بالله ولله ومع الله ، فبكى الشيوخ وقالوا ما على هذا مزيد ، جزاك الله خيراً يا تاج العارفين .
{تنبيه} : إن الذي يمعن النظر قي قول الجُنَيد بن محمد رحمه الله تعالى يجد أن المحبة أصل الأعمال كلها وإليك تفصيل ذلك :
[عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه متصلٌ بذكر ربه] : أي منشغلٌ بذكر الله تعالى عن نفسه
[ناظرٌ إليه بقلبه] : وهذا مقام الإحسان
[أحرقت قلبُه أنوار هيبته] تضمنت خوف العبودية والتعظيم
[فإذا تكلم فبالله وإذا تحرك فبأمر الله وإذا سكن فمع الله ، فهو بالله ولله ومع الله] تضمنت ذكر الله وامتثال أوامره واجتناب نهيه في السكون والحركة .
ولا شك أن عبادة الله مبنية على المحبة ، بل هي حقيقة العبادة ، إذ لو تعبدت بدون محبة صارت عبادتك قشراً لا روح فيها ، فإذا كان الإنسان في قلبه محبة لله وللوصول إلى جنته ، فسوف يسلك الطريق الموصل إلى ذلك .
لوازم محبة الله تعالى :
[1] إفراد محبة العبودية به سبحانه وتعالى وأن من أشرك مع الله تعالى شيئاً آخر في محبة العبودية كان ذلك شركاً
قال تعالى: (وَمِنَ النّاسِ مَن يَتّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُواْ أَشَدّ حُبّاً للّهِ وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَمُوَاْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنّ الْقُوّةَ للّهِ جَمِيعاً وَأَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ) [سورة: البقرة - الأية: 165]
(ومن الناس (. من تبعيضية
قوله : )أ مَن يَتّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً ( . جمع ند ، وهو الشبية والنظير .
قوله : ) يحبونهم كحب الله ( . أي : في كيفيته ونوعه ، فالنوع أن يحب غير الله محبة عبادة .
والكيفية : أن يحبه كمحبة الله أو أشد ، حتى إن بعضهم يعظم محبوبه ويغار له أكثر مما يعظم الله ويغار له ، فلو قيل : أحلف بالله ، لحلف ، وهو كاذب ولم يبال ، ولو قيل : احلف بالند ، لم يحلف ، وهو كاذب ، وهذا شرك أكبر .
وقوله : )كحب الله ( أي يحبون هذه الأنداد كمحبة الله ، فيجعلونها شركاء لله في المحبة ، لكن الذين آمنوا أشد حباً لله من هؤلاء لله ، وهذا هو الصواب .
الثاني : أن المعنى كحب الله الصادر من المؤمنين .
أي : كحب المؤمنين لله ، فيحبون هذه الأنداد كما يحب المؤمنون الله – عز وجل - ، وهذا وإن احتمله اللفظ ، لكن السياق يأباه ، لأنه لو كان المعنى ذلك ، لكان مناقضاً لقوله تعالى فيما بعد : ) والذين أمنوا أشد حباً لله ( .
وكانت محبة المؤمنين لله أشد ، لأنها محبة خالصة ليس فيها شرك ، فمحبة المؤمنين أشد من حب هؤلاء لله .
[2] محبة رسوله وتقديم محبة رسوله على المال والولد والناس أجمعين
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي r قال : ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و أن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار .
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي r قال : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".
(حديث عمر في صحيح البخاري) أن عمر رضي الله عنه للنبي r : " إنك لأحب إلى من كل شيء إلا من نفسي. قال النبي r : لا والذي نفسي بيده ، حتى أكون أحب إليك من نفسك . قال : الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي . فقال النبي r الآن يا عمر "
[3] أن يحب في الله ويبغض في الله تعالى :
(حديث أبي أمامة في صحيح أبي داود) أن النبي r قال : من أحب لله و أبغض لله و أعطى لله و منع لله فقد استكمل الإيمان .
(حديث ابن عباس في صحيح الجامع) أن النبي r قال : أوثق عرى الإيمان : الموالاة في الله و المعاداة في الله و الحب في الله و البغض في الله عز و جل .
أنواع المحبة :
والمحبة تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : محبة عبادة ، وهي التي توجب التذلل والتعظيم ، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه ، وهذه خاصة بالله ، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة ، فهو مشرك شركاً أكبر ، ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة .
القسم الثاني : محبة ليست بعبادة في ذاتها ، وهذه أنواع :
النوع الأول : المحبة لله وفي الله ، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله ، أي : كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص ، كالأنبياء ، والرسل ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .
أو أعمال ، كالصلاة ، والزكاة ، وأعمال الخير ، أو غير ذلك .
وهذا النوع تابع للقسم الأول الذي هو محبة الله .
النوع الثاني : محبة إشفاق ورحمة ، وذلك كمحبة الولد . والصغار ، والضعفاء ، والمرضى .
النوع الثالث : محبة إجلال وتعظيم لا عبادة ، كمحبة الإنسان لوالده ، ولمعلمه ، ولكبير من أهل الخير .
النوع الرابع : محبة طبيعية ، كمحبة الطعام ، والشراب ، والملبس ، والمركب ، والمسكن .
مسألة : ما أهمية الخوف والرجاء ؟
الخوف والرجاء زكنا محبة الله تعالى وهما للعبد كالجناحين للطائر ، والخوف والرجاء متلازمان فخوفٌ بلا رجاء يأسٌ وقنوط ، ورجاءٌ بلا خوف أمنٌ وغرور ، وقد وصف الله تعالى عباده المخلصين بالخوف والرجاء
قال تعالى: (إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ) [سورة: الأنبياء - الآية: 90]
و قال تعالى: (تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [سورة: السجدة - الآية: 16]
مسألة : متى يُعَدُ الخوف أفضل من الرجاء ؟
الخوف أفضل من الرجاء مادام الإنسان صحيحاً ليكون له بمثابة السوط المانع من معصية الله تعالى وينشطه على العبادة
و الرجاء أفضل من الخوف في حالة المرض أو الاحتضار للأسباب الآتية :
[1] لأنه إذا غلَّب الرجاء على الخوف في حالة المرض أو الاحتضار فإن العبد يحب لقاء الله تعالى ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي r قال : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه و من كره لقاء الله كره الله لقاءه .
[2] لأن تغليب الرجاء على الخوف في حالة المرض أو الاحتضار يجعل العبد حسن الظن بالله تعالى
(حديث جابر في صحيح مسلم) أن النبي r قال : لا يموتن أحد منكم إلا و هو يحسن الظن بالله تعالى .
ولما احتُضِر الإمام أحمد قال لأولاده ولمن حضر احتضاره : حدثوني بأخبار الرجاء لعلي ألقى الله وأنا أُحسن الظن به .
مسألة : ما معنى الخوف ؟
الخوف هو الانخلاع من طمأنينة الأمن ، والخوف المحمود هو ما حجزك عن معصية الله تعالى .
قال تعالى: (إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [سورة: الأنفال - الآية: 2]
و قال تعالى: (إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 175]
مسألة : ما هي أنواع الخوف ؟
والخوف أقسام :
الأول : خوف العبادة والتذلل والتعظيم والخضوع ، وهو ما يسمى بخوف السر.
وهذا لا يصلح إلا لله – سبحانه - ، فمن أشرك فيه مع الله غيره ؛ فهو مشرك شركاً أكبر ، وذلك مثل : مَن يخاف من الأصنام أو الأموات ، أو من يزعمونهم أولياء ويعتقدون نفعهم وضرهم ؛ كما يفعله بعض عباد القبور : يخاف من صاحب القبر أكثر مما يخاف الله .
الثاني : الخوف الطبيعي والجبلي ؛ فهذا في الأصل مباح ، لقوله تعالى عن موسى : ) فخرج منها خائفاً يترقب ( ، وقوله عنه أيضاً : ) رب إني قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون ( ، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم ؛ فهو محرم ، وإن استلزم شيئاَ مباحاً كان مباحاً ، فمثلاً من خاف من شيء لا يؤثر عليه وحمله هذا الخوف على ترك صلاة الجماعة مع وجوبها ؛ فهذا الخوف محرم ، والواجب عليه أن لا يتأثر به .
وإن هدده إنسان على فعل محرم ، فخافه وهو لا يستطيع أن ينفذ ما هدده به ، فهذا خوف محرم لأنه يؤدي إلى فعل محرم بلا عذر ، وإن رأى ناراً ثم هرب منها ونجا بنفسه ؛ فهذا خوف مباح ، وقد يكون واجباً إذا كان يتوصل به إلى إنقاذ نفسه .
{تنبيه} : أنه يجب على المرء أن يجعل الخوف من الله فوق كل خوف ، وأن لا يبالي بأحد في شريعة الله تعالى ، وأن يعلم أن من التمس رضا الله تعالى وإن سخط الناس عليه ؛ فالعاقبة له ، وإن التمس رضا الناس وتعلق بهم وأسخط الله ؛ أنقلبت عليه الأحوال ، ولم ينل مقصوده بل حصل له عكس مقصوده ، وهو أن يسخط الله عليه ويسخط عليه الناس .
(حديث عائشة في صحيح الترمذي) أن النبي r قال : من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس و من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس .
مسألة : ما هو الرجاء ؟
الرجاء هو ارتياح القلب وابتهاجه لتوقع محمود في المستقبل ، وهذا المحمود قام العبد بما يجب عليه نحوه ولم يبقى إلا فضل الله سبحانه لحصول هذا المأمول .
{تنبيه} : لا يكون الرجاء إلا مع عمل صالح وإلا كان أمناً وغروراً
قال تعالى: (إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ) [سورة: البقرة - الآية: 218]
قال الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى : إن قوماً ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم من حسنة ، ويقول أحدهم إني أُحسن الظن بربي ، وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل وتلا قوله تعالى: (وَذَلِكُمْ ظَنّكُمُ الّذِي ظَنَنتُم بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الُخَاسِرِينَ) [سورة: فصلت - الآية: 23]
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى : إن من أعظم الاغترار التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير توبة ، وتوقع القرب من الله بغير طاعة ، ثم قال : عملٌ كالسراب وقلبٌ من التقوى خراب ، وذنوباً بعدد الرمل والتراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب هيهات هيهات أنت سكران بغير شراب .
مسألة : ما هو الخوف المحمود وما هو الرجاء المحمود ؟
الخوف المحمود هو ما حجزك عن معصية الله تعالى ، والرجاء المحمود أن لا يخرجك إلى الأمن ، فلا يجعلك تأمن مكر الله تعالى فإن جعلك تأمن مكر الله فإن ذلك خسران وضلال .
مسألة : ما معنى التوكل ؟
التوكلُ هو صدقُ الاعتماد على الله تعالى في جلب النفعِ أو دفع الضُرِ ، وذلك بالأخذِ بالأسبابِ المشروعة دون التعلقِ بها ثم الرضا بالمقضي .
{ تنبيه } لايتمُ التوكلُ إلا بشيئين أساسيين :
4) قبل التفويضُ حدوثِ المقضي : فبعد أن يصدُق الإنسان في اعتماده على الله يُفَوِّضُ أمره إلى الله تعالى بمعنى أنه يُلقي أمره إلى الله يُصَرِّفْه كيف يشاء .
5) حدوث المقضي : الرضا بعد فمن لم يرضى بالمقضي فتوكله فاسد ، ولذا يحسن بالإنسان أن يقول بعد تحقيقِ أسبابِ التوكل [ اللهم إنا فوضنا أمرنا إليك راضِين بما قضيت فاقدر لنا الخيرَ حيث كان ]
{ تنبيه } من لم يأخذ بالأسبابِ المشروعةِ فتوكله فاسد ، فمثلاً لو أن إنسان زعم أنه صدق في اعتماده على الله تعالى في حصولِ الولد ولكنه لم يتزوج فهل يُعَدُ هذا متوكلاً على الله ؟ بالطبع لا ، ليس هذا توكلاً إنما هذا سفهٌ وحماقة فالنبي r أعظم المتوكلين ، ومع ذلك كان يأخذ بالأسباب ، فكان يأخذ الزاد في السفر ، ولما خرج إلى أحد ظاهر بين درعين ، أي : لبس درعين اثنين، ولما خرج مهاجراً أخذ من يدله الطريق ، ولم يقل سأذهب مهاجراً وأتوكل على الله ، ولن أصطحب معي من يدلني الطريق ، وكان r يتقى الحر والبرد ، ولم ينقص ذلك من توكله .
ويذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قدم ناس من أهل اليمن إلى الحج بلا زاد ، فجيء بهم إلى عمر ، فسألهم ، فقالوا : نحن المتوكلون على الله ، فقال : لستم المتوكلين ، بل أنتم المتواكلون .
ولعل أوضح حديثٍ يبين ُ التوكلَ بشقَيْه قبل حدوث المقضي وبعده هو حديث الاستخارة .
(حديثُ جابر في صحيح البخاري ) قال كان رسولُ الله يُعلمُنا الاستخارة في الأمورِ كلها كالسورةِ من القرآن ، إذا همَّ أحدكم بالأمرِ فليركع ركعتين من غيرِ الفريضةِ ثم يقول : اللهم إني أستخِيرُك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدرُ ولا أقدرُ وتعلمُ ولا أعلمُ وأنت علاَّمُ الغيوب ، اللهم إن كنت تعلمُ أن هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري _ أو قال عاجل أمري وآجله _ فاقدره لي ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمرَ شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبةِ أمري فاصرفْه عني واصرفني عنه ثم ارضِني به ، ويُسَمِّي حاجته .
مسألة : ما هو فضل التوكل ؟
والتوكل نصف الدين ، ولهذا نقول في صلاتنا : ) إياك نعبد وإياك نستعين ( [ الفاتحة : 5 ] فنطلب من الله العون اعتماداً عليه سبحانه بأنه سيعيننا على عبادته .
وقال تعالى : ) فاعبده وتوكل عليه ( [ هود : 123] ، وقال تعالى : ) عليه توكلت وإليه أنيب ( [ هود : 88] ، ولا يمكن تحقيق العبادة إلا بالتوكل ، لأن الإنسان لو وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز ولم يتمكن من القيام بالعبادة فهو حين يعبد الله يشعر أنه متوكل على الله ، فينال بذلك أجر العبادة وأجر التوكل ، ولكن الغالب عندنا ضعف التوكل ، وأننا لا نشعر حين نقوم بالعبادة أو العادة بالتوكل على الله والاعتماد عليه في أن ننال هذا الفعل ، بل نعتمد في الغالب على الأسباب الظاهرة وننسى ما وراء ذلك ، فيفوتنا ثواب عظيم ، وهو ثواب التوكل ، كما أننا لا نوفق إلى حصول المقصود كما هو الغالب ، سواء حصل لنا عوارض توجب انقطاعها أو عوارض توجب نقصها .
مسألة : ما هي أقسام التوكل ؟
والتوكل ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : توكل عبادة وخضوع ، وهو الاعتماد المطلق على من توكل عليه ، بحيث يعتقد أن بيده جلب النفع ودفع الضر ، فيعتمد عليه اعتماداً كاملاً ، مع شعوره بافتقاره إليه ، فهذا يجب إخلاصه لله تعالى ، ومن صرفه لغير الله ، فهو مشركاً شركاً أكبر ، كالذين يعتمدون على الصالحين من الأموات والغائبين ، وهذا لا يكون إلا ممن يعتقد أن لهؤلاء تصرفاً خفياً في الكون ، فيعتمد عليهم في جلب المنافع ودفع المضار .
الثاني : الاعتماد على شخص في رزقه ومعاشه وغير ذلك ، وهذا من الشرك الأصغر ، وقال بعضهم : من الشرك الخفي ، مثل اعتماد كثير من الناس على وظيفته في حصول رزقه ، ولهذا تجد الإنسان يشعر من نفسه أنه معتمد على هذا اعتماد افتقار ، فتجد في نفسه من المحاباة لمن يكون هذا الرزق عنده ما هو ظاهر ، فهو لم يعتقد أنه مجرد سبب ، بل جعله فوق السبب .
الثالث : أن يعتمد على شخص فيما فوض إليه التصرف فيه ، كما لو وكلت شخصاً في بيع شيء أو شرائه ، وهذا لا شيء فيه ، لأنه أعتمد عليه وهو يشعر أن المنزلة العليا فوقه ، لأنه جعله نائباً عنه ، وقد وكل النبي r على ابن أبي طالب أن يذبح ما بقي من هديه )1(، ووكل أبا هريرة على الصدقة )2(، ووكل عروة بن الجعد أن يشتري له شاة )3(، وهذا بخلاف القسم الثاني ، لأنه يشعر بالحاجة إلى ذلك ، ويرى اعتماده علي المتوكَّل عليه اعتماد افتقار .
مسألة : ما هو الرياء وما الفرق بينه وبين السمعة ؟
الرياء مشتق من الرؤية وهو إظهار تحسين العبادة بقصد رؤية الناس له فيحمدونه على تلك العبادة
و الفرق بينه وبين السمعة أن الرياء لما يُرى من العمل كالصلاة ، و السمعة لما يُسمع كالقراءة والوعظ والذكر ويدخل فيه التحدث عن نفسه بما عمله من ذكرٍ ووعظ وإرشاد وقراءة .
وكلاهما مقصوده أن يحمده الناس في العبادة ، وقد أخبر الله تعالى أن هذا محبطٌ للعمل لأنه ينافي معنى الإخلاص الذي هو أحد الركنين المتلازمين لقبول العمل.
قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا) [سورة: الكهف - الآية: 110]
والإخلاص هو أن تبتغي بعملك وجه الله تعالى ، فإن قصدت بعملك غيره تعالى لم يقبله فهو سبحان 00
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم) أن النبي r قال : قال الله تعالى : " أنا أغني الشركاء عن الشرك ، ومن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري ، تركته وشِركَه " .
(حديث جندب بن عبد الله في الصحيحين) أن النبي r قال : من سمَّع سمَّع الله به ومن يرائي يرائي الله به .
) حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داود وابن ماجة) أن النبي r قال : من تعلم علما مما . يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة .
( حديث جابر في صحيح ابن ماجة) أن النبي r قال لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا تماروا به السفهاء و لا لتخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار.
( حديث جابر في صحيح ابن ماجة) أن النبي r قال لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا تماروا به السفهاء و لا لتخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار.
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار .
(حديث أبي أمامة في صحيح النسائي ) أن النبي r قال : إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغيَ به وجهه .
(حديث أبي سعيد في صحيح ابن ماجة) أن النبي r قال : ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ " . قالوا : بلي . قال : " الشرك الخفي ، يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته ، لما يري من نظر رجل .
{تنبيه} : قوله : [ أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ] وإنما كان كذلك ، لأن التخلص منه صعب جداً ، ولذلك قال بعض السلف : " ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص " ، وقال النبي r : " أسعد الناس بشفاعتي من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه "
مسألة : ما الفرق بين الرياء والسمعة وإرادة العبد بعمله الدنيا ؟
(الرياء والسمعة) مقصودهما أن يحمد العبد في العبادة ، أما إرادة العبد بعمله الدنيا فإنه يريد أمراً مادياً محضاً كمن أذن ليأخذ راتب المؤذن ، أو حج ليأخذ المال .
2- أن يريد المرتبة ، كمن تعلم في كلية وأخذ شهادة الدكتوراة لأجل الشهادة والمنزلة فقط وليس للتقرب إلى الله تعالى .
قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ ، أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الاَخِرَةِ إِلاّ النّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [سورة: هود - الآيتان:15 ،16]
قوله تعالى : ( من كان يريد الحياة الدنيا ) . أي : البقاء في الدنيا .
قوله : ( وزينتها ) . أي المال ، والبنين ، والنساء ، والحرث ، والأنعام ، والخيل المسومة ، كما قال الله تعالى : )زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ([ آل عمران : 14] .
قوله : ( نوف إليهم ) . فعل مضارع معتل الآخر مجزوم بحذف حرف العلة الياء ، لأنه جواب الشرط .
والمعني : أنهم يعطون ما يريدون في الدنيا ، ومن ذلك الكفار لا يسعون إلا للدنيا وزينتها ، فعجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ، كما قال تعالى : ) ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمعتم بها ([ الأحقاف : 20] .
ولهذا لما بكي عمر حين رأي النبي r قد أثر في جنبه الفراش ، فقال : " ما يبكيك ؟ " . قال يا رسول الله ! كسري وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من نعيم وأنت على هذا الحال . فقال رسول الله r : " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم " (1)، وفي الحقيقة هي ضرر عليهم ، لأنهم إذا انتقلوا من دار النعيم إلى الجحيم ، صار عليهم أشد وأعظم في فقد ما متعوا به في الدنيا .
قوله : ( وهم فيها إلا يبخسون ) . البخس : النقص ، أي : لا ينقصون مما يجازون فيه ، لأن الله عدل لا يظلم ، فيعطعون ما أرادوه .
قوله : ( أولئك ) . المشار إليه يريدون الحياة الدنيا وزينتها .
قوله : ( ليس لهم في الآخرة إلا النار ) . فيه حصر وطريقة النفي والإثبات ، وهذا يعني أنهم لن يدخلوا الجنة ، لأن الذي ليس له إلا النار محروم من الجنة والعياذ بالله .
قوله : ( وحبط ما صنعوا فيها ) . الحبوط : الزوال ، أي : زال عنهم ما صنعوا في الدنيا .
قوله : ( وباطل ما كانوا يعملون ) . ( باطل ) : خبر مقدم لأجل مراعاة الفواصل في الآيات والمبتدأ " ما " في قوله : ( ما كانوا يعملون ) ، فأثبت الله أنه ليس لهؤلاء إلا النار ، وأن ما صنعوا في الدنيا قد حبط ، وأن أعمالهم باطلة .
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي r قال : تعس عبد الدينار ،و عبد الدرهم ، و عبد الخميصة ، ، إن أُعطِيَ ؛ رضي ، وإن لم يُعط ، سخط ، تعس وأنتكس ، وإذا شيك فلا انتقش . طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعثٌ رأسُه ، مغبَّرةٌ قدماه ، إن كان في الحراسة ، كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة ، كان في الساقة ، إن أستأذن ، لم يؤذن له ، وأن شفع ، لم يشفع "
قوله : " تَعِس " . بفتح العين أو كسرها ، أي : خاب وهلك .
قوله : " عبد الدينار" الدينار : هو النقد من الذهب ، وسماه عبد الدينار ، لأنه تعلق به تعلق العبد بالرب فكان أكبر همه ، وقدمه على طاعة ربه ، ويقال في عبد الدرهم ما قيل في عبد الدينار ، والدرهم هو النقد من الفضة.
قوله : " [و عبد الخميصة] ، وهذا من يعنى بمظهره ، لأن الخميصة كساء جميل ، ليس له هم إلا هذا الأمر ، فإذا كان عابداً لهذه الأمور لأنه صرف لها جهوده وهمته ، فكيف بمن أراد بالعمل الصالح شيئاً من الدنيا فجعل الدين وسيلة للدنيا ؟ ! فهذا أعظم .
قوله : " إن أعطي رضي ، وإن لم يعط سخط " . يحتمل أن يكون المعطي هو الله فيكون الإعطاء قدرياً ، أي : إن قدر الله له الرزق والعطاء رضي وانشرح صدره ، وإن منع وحرم المال سخط بقلبه وقوله ، كأن يقول : لماذا كنت فقيراً وهذا غنياً ؟ وما أشبه ذلك ، فيكون ساخطاً على قضاء الله وقدرة لأن الله منعه .
والله سبحانه وتعالى يعطي ويمنع لحكمةٍ بالغةً قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها ، ويعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين لمن يجب .
والواجب على المؤمن أن يرضي بقضاء الله وقدره ، إن أعطي شكر ، وإن منع صبر .
ويحتمل أن يراد بالإعطاء هنا الإعطاء الشرعي ، أي: إن أعطي من مال يستحقه من الأموال الشرعية رضي ، وإن لم يعط سخط ، وكلا المعنيين حق ، وهما يدلان على أن هذا الرجل لا يرضي إلا للمال ولا يسخط إلا له ، ولهذا سمّاه الرسولr عبداً له .
قوله : " تعس وانتكس " . تعس ، أي : خاب وهلك ، وانتكس ، أي : أنتكست عليه الأمور بحيث لا تتيسر له ، فكلما أراد شيئاً انقلبت عليه الأمور خلاف ما يريد ، ولهذا قال :
وإذا شيك فلا انتقش " . أي : إذا أصابته شوكة ، فلا يستطيع أن يزيل ما يؤذيه عن نفسه .
وهذه الجمل الثلاث يحتمل خبراً منه r عن حال هذا الرجل ، وأنه في تعاسة وانتكاس وعدم خلاص من الأذى ، ويحتمل أن يكون من باب الدعاء على من هذه حاله ، لأنه لا يهتم إلا للدنيا ، فدعا عليه أن يهلك ، وأن لا يصيب من الدنيا شيئاً ، وأن لا يتمكن من إزالة ما يؤذيه ، وقد يصل إلى الشرك عندما يصده ذلك عن طاعة الله حتى أصبح لا يرضي إلا للمال ولا يسخط إلا له .
قوله : " طوبي لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله " . هذا عكس الأول ، فهو لا يهتم للدنيا ، وإنما يهتم للآخرة ، فهو في استعداد دائم للجهاد في سبيل الله .
و" طوبى " فُعْلى من الطيب ، وهي اسم تفضيل ، فأطيب للمذكر وطوبي للمؤنث ، والمعني : أطيب حال تكون لهذا الرجل ، وقيل إن طوبي شجرة في الجنة ، والأول ، أعم ،
وقوله : " آخذ بعنان فرسه " . أي ممسك بمقود فرسه الذي يقاتل عليه .
قوله : " في سبيل الله " . ضابطه أن يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا لا للحمية أو الوطنية أو ما أشبه ذلك ، لكن إن قاتل وطنية وقصد حماية وطنه لكونه بلداً إسلامياً يجب الذود عنه ، فهو في سبيل الله ، وكذلك من قاتل دفاعاً عن نفسه أو ماله أو أهله ؛ فإن النبي r قال : " من قتل دون ذلك ، فهو شهيد " ، فأما من قاتل للوطنية المحضة ، فليس في سبيل الله لأن هذا قتال عصبية يستوي فيه المؤمن والكافر ، فإن الكافر يقاتل من أجل وطنه .
قوله : [ أشعثٌ رأسه ، مغبَّرة قدماه ] أي: رأسه أشعث من الغبار في سبيل الله ، فهو لا يهتم بحاله ولا بدنه مادام هذا الآمر ناتجاً عن طاعة الله عز وجل وقدماه مغبرة في السير في سبيل الله ، وهذا دليل على أن أهم شيء عنده هو الجهاد في سبيل الله ، أما أن يكون شعره أو ثوبه أو فراشه نظيفاً ، فليس له هم فيه .
قوله : [ إن كان في الحراسة ، فهو في الحراسة ، وإن كان في الساقة ، كان في الساقة] المعنى أنه يُنكر ذاته فالأمر يستوي عنده سواء كان في المنزلة العليا كمرتبة الحراسة التي تكون في مقدمة الجيش أو في المنزلة الدنيا كالسقي ال ي يكون في مؤخرة الجيش فهو لا يحرص على مكانة دنيوية حتى إنه إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع .
قوله :" إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع " . أي : هو عند الناس ليس له جاه ولا شرف ، حتى إنه إن استأذن لم يؤذن له ، وهكذا عند أهل السلطة ليس له مرتبه ، فإن شفع لم يُشَفّع، ولكنه وجيه عند الله وله المنزلة العالية ، لأنه يقاتل في سبيله .
والشفاعة : هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة .
والاستئذان : طلب الإذن بالشيء .
مسألة : ما حكم من أطاع العلماء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله ؟
من أطاع العلماء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً ينص السنة الصحيحة
(حديث عدي بن حاتم في صحيح الترمذي) أنه سمع النبي r يقرأ هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا أله إلا هو سبحانه عما يشركون ) [ التوبة : 31] ، فقلت له : إنا لسنا نعبدهم . قال : " أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ " . فقلت : بلي . قال : " فتلك عبادتهم .
الشاهد قوله r [فتلك عبادتهم] : فجعل طاعتهم في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله عبادة .
قوله : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم ) . الأحبار : جمع حبر ، وحبر بفتح الحاء وكسرها ، وهو العالم الواسع العلم ، والرهبان : جمع راهب ، وهو العابد الزاهد .
قوله : ( أرباباً من دون الله ) . أي : مشاركين لله عز وجل في التشريع ، لأنهم يحلون ما حرم الله فيحله هؤلاء الأتباع ، ويحرمون ما أحل الله فيحرمه الأتباع .
قوله " ( والمسيح ابن مريم ) أي : اتخذوه إلهاً مع الله ، بدليل قوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً ) ، والعبادة : التذلل والخضوع ، واتباع الأوامر واجتناب النواهي .
{تنبيه} : ينبغي أن يعلم أن اتباع العلماء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله على التفصيل الآتي .
الأول : أن يتابعهم في ذلك راضياً بقولهم ، مقدماً له ، ساخطاً لحكم الله ، فهو كافر لأنه كره ما أنزل الله فأحبط الله عمله ، ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر ، فكل من كره ما أنزل الله ، فهو كافر .
قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) [سورة: محمد - الآية: 9]الثاني : أن يتابعهم في ذلك راضياً بحكم الله وعالماً بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد ، ولكن لهوي في نفسه أختاره ، كأن يريد مثلاً وظيفة ، فهذا لا يكفر ، ولكنه فاسق وله حكم غيره من العصاة
الثالث : أن يتابعهم جاهلاً ، فيظن أن ذلك حكم الله ، فينقسم إلى قسمين :أ- أن يمكنه أن يعرف الحق بنفسه ، فهو مفرط أو مقصر ، فهو آثم ، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم .ب- أن لا يكون عالماً ولا يمكنه التعلم فيتابعهم تقليداً ويظن أن هذا هو الحق ، فهذا لا شيء عليه لأنه فعل ما أمر به وكان معذوراً بذلك ، ولذلك ورد عن رسول الله r أنه قال : إن " من أفتي بغير علم ، فإنما إثمه على من أفتاه ، لو قلنا : بإثمه بخطأ غيره ، للزم من ذلك الحرج والمشقة ، ولم يثق الناس بأحد لاحتمال خطئه .فإن قيل : لماذا لا يكفر أهل القسم الثاني ؟ أجيب : إننا لو قلنا بكفرهم لزم من ذلك تكفير كل صاحب معصية يعرف أنه عاص لله ويعلم أنه حكم الله .
مسألة : ما حكم من سب الدهر ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
وسب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم ، فهذا جائز ، مثل أن يقول : تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده ، وما أشبه ذلك ، لأن الأعمال بالنيات ، ومثل هذا اللفظ صالح لمجرد الخبر ، ومنه قول لوط عليه الصلاة والسلام : ) هذا يوم عصيب ( [هود : 77] .
الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل ، ، كأن يعتقد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير والشر ، فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً لأنه نسب الحوادث إلى غير الله وكل من اعتقد أن مع الله خالقاً فهو كافر ، كما أن من اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أن يعبد ، فإنه كافر .
قال تعالى: (وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاّ الدّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنّونَ) [سورة: الجاثية - الآية: 24]
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : " قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم ، يسب الدهر ، وأنا الدهر ، بيديَ الأمرُ أقلب الليل والنهار .
الشاهد : قوله تعالى في الحديث القدسي [يؤذيني ابن آدم] أي : يلحق بي الأذى ، فالآية لله ثابتة ويجب علينا إثباتها ، لأن الله أثبتها لنفسها ، فلسنا أعلم من الله بالله ، ولكنها ليست كأذية المخلوق ، بدليل قوله تعالى : ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( [الشورى : 11] وقدم النفي في هذه الآية على الإثبات لأجل أن يرد الإثبات على قلب خال من توهم المماثلة ويكون الإثبات حينئذ على الوجه اللائق به تعالى ، وأنه لا يماثل في صفاته كما لا يماثل في ذاته ، وكل ما وصف الله به نفسه ، فليس فيه احتمال للتمثيل ، إذ لو كان احتمال التمثيل جائزاً في كلامه سبحانه وكلام رسوله فيما وصف به نفسه ، لكان احتمال الكفر جائزاً في كلامه سبحانه وكلام رسوله .
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي r قال : ما أحدٌ أصبرُ على أذى سَمِعَه من الله ، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم .
{تنبيه} : هناك فرق شاسع بين الأذى والضرر فقد أثبت الله تعالى حدوث الأذى ولكنه سبحانه نفى حدوث الضرر عن نفسه سبحانه
(حديث أبي ذر في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : قال الله تعالى : يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته محرما بينكم فلا تظالموا يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل و النهار و أنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي ! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي ! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي ! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
الشاهد : قوله تعالى في الحديث القدسي[يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني]
{تنبيه} : معنى [وأنا الدهر] : أي : مدبر الدهر ومصرفه ، لقوله تعالى : ) وتلك الأيام نداولها بين الناس ( [ آل عمران : 140 ] ، ولقوله في الحديث : " أقلب الليل والنهار " ، والليل والنهار هما الدهر
الثالث : أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل ، بل يعتقد أن الله هو الفاعل ، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده ، فهذا محرم ، ولا يصل إلى درجة الشرك ، وهو من السفه في العقل والضلال في الدين ، لأن حقيقة سبه تعود إلى الله سبحانه ، لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر ويكون فيه ما أراد من خير أو شر ، فليس الدهر فاعلاً ، وليس السبب يكفر ، لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة .
مسألة : ما حكم من قال ما شاء الله وشاء فلان ؟
هذا شركٌ أصغر لا يخرج من الملة ولكنه يناقض التوحيد ، وهوشركٌ لفظي ، ويجب أن نقول ما شاء الله ثم شئت لأن ثم تفيد الترتيب مع التراخي فتجعل مشيئة العبد تابعة لمشية الله تعالى .
(حديث حذيفة في صحيح أبي داود) أن النبي r قال :لا تقولوا : ما شاء الله و شاء فلان و لكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان .
(حديث ابن عباس في السلسلة الصحيحة ) أن رجلاً قال للنبي r ما شاء الله وشئت فقال : أجعلتني لله نداً ، بل ما شاء الله وحده .
مسألة : ما حكم سب الريح ؟
يحرم سب الريح لأن سبها سب لمن خلقها وأرسلها .
(حديث أبي بن كعب في صحيح الترمذي) أن النبي r قال : لا تسبوا الريح ، فإذا رأيتم ما تكرهون ، فقولوا : اللهم إنا نسألك ، فإذا رأيتم ما تكرهون ، فقولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به .
مسألة : اذكر الأدلة علىحماية النبي r لجناب التوحيد وسد طرق الشرك؟
(حديث عبد الله بن الشخير في صحيح أبي داود) قال : " انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله r ، فقلنا : أنت سيدنا . فقال : " السيد الله تبارك وتعالى " . قلنا : وأفضلنا فضلاً ، وأعظمنا طولاً . فقال : " قولوا بقولكم أو بعض قولكم ، ولا يستجرينكم الشيطان .
الشاهد قوله r [قولوا بقولكم أو بعض قولكم ، ولا يستجرينكم الشيطان]
ومعنى [ولا يستجرينكم الشيطان] : أي لا يستهوينكم ويغرنكم باستجرائه فترفعوني فوق منزلتي فتضعوني في منزلةٍ لا يستحقها إلا الله تعالى فتقعون في الشرك ، وهذا أروع مثل في حماية جناب التوحيد وسد طرق الشرك .
(حديث عمر في صحيح البخاري) أن النبي r قال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله و رسوله .
(حديث ثابت ابن الضحاك في صحيح أبي داود ) قال نذر رجلٌ أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل النبي r فقال : هل كان فيها وثنٌ من أوثانِ الجاهليةِ يُعبد؟ قال لا ، قال : فهل كان فيها عيدٌ من أعيادهم ؟ قال لا فقال رسول الله r : أوفِ بنذرك فإنه لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ الله ولا فيما لا يملكُ ابن آدم .
الشاهد : أن النبي r علَّقَ الموافقةَ على وفاء النذر بشرط أن لا يكون هذا المكان كان فيه وثنٌ من أوثانِ الجاهليةِ أو عيدٌ من أعيادهم حمايةً لجنابِ التوحيد وسداً لطرق الشرك ، ولأنه لا يجوز الفاء بنذرٍ في معصيةِ الله .
عقيدة أهل السنة والجماعة
مسألة : ما معنى الاعتقاد ؟
الاعتقاد لغة : العقد هو الشد والربط اصطلاحا : حكم الذهن الجازم ، فإن طابق الواقع كان صحيح وإن خالفه كان باطلا .
فمثلا : نعتقد أن الله واحد - اعتقاد صحيح . أما اعتقاد النصارى أن الله ثالث ثلاثة - اعتقاد باطل .
مسألة : ما معنى الفرقة الناجية ؟ ومن هم ؟
الفرقة الناجية :
- · أي الناجية في الدنيا والآخرة .
- · الناجية في الدنيا من البدع و الناجية في الآخرة من النار .
- · والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة .
مسألة : من هم أهل السنة والجماعة ؟
هم السلف معتقدا ، وهم ما كانوا على مثل ما كان عليه r وأصحابه .
مسألة : لماذا سموا بهذا الاسم ؟
سموا بأهل الكتاب لأنهم يؤثرون كلام الله على كلام غيره ، وسموا أهل السنة لأنهم يقدمون هدي محمد على كل هدي .
وسموا بالجماعة لاجتماعهم على الحق بخلاف الفرق الضالة التي يكفر بعضها بعضاً ويفسق بعضها بعضاً .
منهاج أهلمممم
مسألة : ما هي منهج أهل السنة والجماعة في عبادة الله تعالى ؟
منهجهم أنهم يعبدون الله ، لله وبالله ، وفي الله .
أما كونهم يعبدون الله لله فمعنى ذلك الإخلاص يخلصون لله عز وجل لا يريدون بعبادتهم إلا ربهم لا يتقربون إلى أحد سواه ، إنما يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، ما يعبدون الله لأن فلاناً يراهم ، وما يعبدون الله لأنهم يعظمون بين الناس ، ولا يعبدون الله لأنهم يلقبون بلقب العابد لكن يعبدون الله لله .
وأما كونهم يعبدون الله بالله .
أي مستعينين به لا يمكن أن يفخروا بأنفسهم ، أو أن يروا أنهم مستقلون بعبادتهم عن الله ، بل هم محققون لقول الله تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة : الآية : 5) . فـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) يعبدون الله لله ، (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . (سورة الفاتحة: الآية: 5). يعبدون الله بالله . فيستعينونه على عبادته تبارك وتعالى .
وأما كونهم يعبدون الله في الله أي في دين الله ، في الدين الذي شرعه على ألسنة رسله ، وأهل السنة والجماعة في هذه الأمة يعبدون الله بما شرعه على لسان رسوله r ، لا يزيدون فيه ولا ينقصون منه ، فهم يعبدون الله في الله في شريعته في دينه لا يخرجون عنه لا زيادة ولا نقصاً لذلك كانت عبادتهم هي العبادة الحقة السالمة من شوائب الشرك والبدع ، لأن من قصد غير الله بعبادته فقد أشرك به ، ومن تعبد الله بغير شريعته فقد ابتدع في دينه والله سبحانه وتعالى يقول : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة : الآية : 5) .
فعبادتهم لله في دين الله لا يبتدعون ما تستحسنه أهواؤهم لا أقول ما تستحسنه عقولهم لأن العقول الصحيحة لا تستحسنه الخروج عن شريعة الله لأن لزوم شريعة الله مقتضى العقل الصريح ، ولهذا كان الله سبحانه وتعالى ينعى على المكذبين لرسوله عقولهم ويقول : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (العنكبوت : من الآية63).
لو كنا نتعبد لله بما تهواه نفوسنا وعلى حسب أهوائنا لكنا فرقاً وشيعاً كل يستحسن ما يريد فيتعبد لله به وحينئذ لا يتحقق فينا وصف الله سبحانه وتعالى في قوله : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَة) (المؤمنون : من الآية52) .
ولننظر إلى هؤلاء الذين يتعبدون لله بالبدع التي ما أذن الله بها ولا أنزل بها من سلطان ، كيف كانوا فرقاً يكفر بعضهم بعضاً ويفسق بعضهم بعضاً ، وهم يقولون : إنهم مسلمون لقد كفر بعض الناس ببعض في أمور لا تخرج الإنسان إلى الكفر ولكن الهوى أصمهم وأعمى أبصارهم .
نحن نقول : إننا إذا سرنا على هذا الخط لا نعبد الله إلا في دين الله فإننا سوف نكون أمة واحدة، لو عبدنا الله تعالى بشرعه وهداه لا بهوانا لكنا أمة واحدة فشريعة الله هي الهدى وليست الهوى.
إذاً لو أن أحداً من أهل البدع ابتدع طريقة عقيدة (أي تعود للعقيدة) أو عملية (تعود إلى العمل) من قول أو فعل، ثم قال إن هذه حسنة. والنبي r ، يقول: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). – كما هو ثابت في صحيح مسلم عن جرير - قلنا له بكل بساطة هذا الحسن الذي ادعيته أنه ثابت في هذه البدعة هل كان خافياً لدى الرسول، عليه الصلاة والسلام، أو كان معلوماً عنده لكنه كتمه ولم يطلع عليه أحد من سلف الأمة حتى ادخر لك علمه؟!
والجواب : إن قال بالأول فشر وإن قال بالثاني فأطم وأشر.
فإن قال : إن الرسول، عليه الصلاة والسلام لا يعلم حسن هذه البدعة ولذلك لم يشرعها.
قلنا: رميت رسول الله r ، بأمر عظيم حيث جهلته في دين الله وشريعته.
وإن قال إنه يعلم ولكن كتمه عن الخلق.
قلنا له: وهذه أدهى وأمر لأنك وصفت رسول الله r ، الذي هو الأمين الكريم وصفته بالخيانة وعدم الجود بعلمه، وهذا شر من وصفه بعدم الجود بماله، مع أنه r ، كان أجود الناس، وهنا شر قد يكون احتمالاً ثالثاً بأن الرسول r ، علمها وبلغها ولكن لم تصل إلينا، فنقول له وحينئذ طعنت في كلام الله عز وجل لأن الله تعالى يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:الآية 9). وإذا ضاعت شريعة من شريعة الذكر فمعنى ذلك أن الله لم يقم بحفظه بل نقص من حفظه إياه بقدر ما فات من هذه الشريعة التي نزل من أجلها هذا الذكر.
وعلى كل حال فإن كل إنسان يبتدع ما يتقرب به إلى ربه من عقيدة أو عمل قولي أو فعلي فإنه ضال لقول رسول الله r : "كل بدعة ضلالة" وهذه كلية عامة لا يستثنى منها شيء إطلاقاً فكل بدعة في دين الله فإنها ضلالة وليس فيها من الحق شيء فإن الله تعالى يقول: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (يونس: من الآية32).
ثم نقول: إن الحديث لا يدل على كل بدعة بل قال: "من سن في الإسلام" وما خرج عن شريعة الرسول ليس من الإسلام بل قد قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة" وبهذا نعرف أنه لابد أن تكون هذه السنة مما أثبته الإسلام وإلا ليست سنة في الإسلام ومن علم سبب الحديث الذي ذكرناه علم أن المراد بالسنة المبادرة بالعمل أو السبق إلى تنفيذ سنة كان أسبق الناس بها لأن سبب الحديث معلوم وهو أن جماعة جاءوا إلى النبي r ، وكانوا فقراء فحث المسلمين على التصدق عليهم فأتى رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يديه r ، فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها". وبهذا عرفنا المراد أن من سنها ليس من شرعها لكن من عمل بها أولاً لأنه بذلك أي بعمله أولاً يكون هو إماماً للناس فيها فيكون قدوة خير وحسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ولا يرد على ذلك ما ابتدع من الوسائل الموصلة إلى الأمور المشروعة فإن هذه وإن تلجلج بها أهل البدع وقعدوا بها بدعهم فإنه لا نصيب له منها، إلا أن يكون الراقم على الماء له نصيب من الحروف بارزة في الماء.
أقول: إن بعض الناس يستدلون على تحسين بدعهم التي ابتدعوها في دين الله والتي يلزم منها ما سبق ذكره بما أحدث من الوسائل لغايات محمودة.
احتجوا على ذلك بجمع القرآن، وبتوحيده في مصحف واحد وبالتأليف، وببناء دور العلم وغير ذلك مما هو وسائل لا غايات، فهناك فرق بين الشيء الذي يكون وسيلة إلى غاية محمودة مثبتة شرعاً لكنها لا تتحقق إلا بفعل هذه الوسيلة فهذه الوسيلة طبعاً تتجدد بتجدد الزمن وتختلف باختلاف العصور، ها هو قوله عز وجل: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) (الأنفال: من الآية 60). وإعداد القوة على عهده عليه الصلاة والسلام غير إعداد القوة في زمننا هذا فإذا ما أحدثنا عملاً معيناً نتوصل به إلى إعداد القوة فإن هذه بدعة وسيلة وليست بدعة غاية يتقرب بها إلى الله ولكنها بدعة وسيلة، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم أن للوسائل أحكام المقاصد وبهذا نعرف أن ما تلجلج به مبتدع الحوادث في دين الله باستدلالهم بمثل هذه القضايا أنه ليس لهم فيها دليل أبداً لأن كل ما حصل فهو وسائل لغايات محمودة.
فجمع القرآن من تصنيف وما أشبه ذلك كله وسائل لغايات هي مشروعة في نفسها فيجب على الإنسان أن يفرق بين الغاية والوسيلة فما قصد لذاته فقد تم تشريعه من عند الرسول عليه الصلاة والسلام بما أوحاه الله إليه من الكتاب العظيم ومن السنة المطهرة ولدينا ولله الحمد آية نتلوها في كتاب الله. وهي قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) (المائدة: من الآية 3). فلو كان في المحادثات ما يكمل به الدين لكانت قد شرعت وبينت وبلغت وحفظت، ولكن ليس فيها شيء يكون فيه كمال الدين بل نقص في دين الله.
قد يقول بعض الناس: إننا نجد في هذه الحوادث نجد عاطفة دينية ورقة قلبية واجتماعاً عليها فنقول: إن الله تعالى أخبر عن الشيطان أنه قال: (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ) (الأعراف: من الآية 17). يزينها الشيطان في قلب الإنسان ليصده عما خلق له من عبادة الله التي شرع فترضخ النفس بواسطة تسلط الشيطان على المرء حتى يصده عن دين الحق، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه و سلم، بأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، بل في القرآن قبل ذلك. قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (النحل: الآيتان 99- 100). فجعل الله للشيطان سلطاناً على من تولاه وأشرك به أي جعل لله شريكاً به بواسطة الشيطان وكل من جعل له متبوعاً في بدعة من دين الله فقد أشرك بالله عز وجل وجعل هذا المتبوع شريكاً لله تعالى في الحكم.
وحكم الله الشرعي والقدري لا شريك له فيه أبداً (ِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (يوسف: من الآية 40). وركزت على هذا الأمر لكي يعلم أهل الأحداث المحدثون أنه لا حجة لهم فيما أحدثوه، واعلم رحمك الله انه لا طريق إلى الوصول إلى الله عز وجل وإلى دار كرامته إلا من الطريق الذي وضعه هو سبحانه وتعالى على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم.
(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) (النحل: من الآية 60). لو أن ملكاً من الملوك فتح باباً للدخول عليه وقال من أراد أن يصل إليَّ فليدخل من هذا الباب فما ظنكم بمن ذهب إلى أبواب أخرى هل يصل إليه. كلا بالطبع.
والملك العظيم، ملك الملوك، وخالق الخلق جعل طريقاً إليه خاصاً بما جاءه به رسله وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي بعد بعثه لا يمكن لأي بشر أن ينال السعادة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.
والحقيقة أن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، أن نسلك ما سلك، ونذر ما ترك، وأن لا نتقدم بين يديه فنقول في دينه ما لم يقل، أو نحدث في دينه ما لم يشرع.
هل من محبة الرسول عليه الصلاة والسلام وتعظيمه أن نحدث في دينه شيئاً يقول هو عنه: "كل بدعة ضلالة". ويقول: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". هل هذا من محبة الرسول؟! أن تشرع في دين الله ما لم يشرع؟ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (آل عمران: من الآية 31).
مسألة : ما هي منهج أهل السنة و الجماعة في حق الرسول r ؟
من المعلوم أنه لا يتم الإسلام إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والشهادة لا تتحقق إلا بثلاثة أمور:
- عقيدة في القلب.
2- نطق في اللسان.
3- عمل في الأركان.
ولهذا يقول المنافقون للرسول عليه الصلاة والسلام إذا جاؤه نشهد إنك لرسول الله. ويقول الباري جل ذكره فيهم: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون: من الآية 1). لماذا؟ لأن هذه الشهادة فقد منها أعظم ركن فيها وهو العقيدة فهم يقولون بألسنتهم ما لا يعتقدونه في قلوبهم، فمن قال أشهد أن محمداً رسول الله ولكن قلبه خال من هذه الشهادة فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله. ومن اعتقد ذلك ولم يقله بلسانه فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله.
ومن قال ذلك لكن لم يتبعه في شريعته فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله. وكيف تخالفه وأنت تعتقد بأنه رسول رب العالمين وأن شريعة الله هو ما جاء به؟!.
كيف تقول: إنك شهدت أن محمداً رسول الله على وجه التحقيق. لهذا نعتقد أن كل من عصى الله ورسوله فإنه لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله.
لست أقول إنه ما يشهد ولكنه لم يحقق وقد نقص من تحقيقه إياه بقدر ما حصل منه من مخالفة.
[إذاً طريقة أهل السنة والجماعة في حق رسول الله عليه الصلاة والسلام الشهادة له بقلوبهم، وألسنتهم، وأعمالهم أنه رسول الله كذلك أيضاً يحبوه حب تقدير وتعظيم حباً تابعاً لمحبة الله عز وجل.]
وليسوا يحبونه من باب التعبد له بمحبته لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يتعبد لله به – أي بشرعه – ولكنه لا يعبد هو.
فهم يحبون الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه رسول رب العالمين. ومحبتهم له من محبة الله تبارك وتعالى، ولولا أن الله أرسل محمداً بن عبد الله القرشي الهاشمي لكان رجلاً من بني هاشم لا يستحق هذه المرتبة التي استحقها بالرسالة.
إذاً نحن نحبه ونعظمه لأننا نحب الله ونعظمه فمن أجل أنه رسول الله وأن الله تبارك وتعالى هدى به الأمة حينئذ نحبه فالرسول عليه الصلاة والسلام عند أهل السنة والجماعة محبوب، لأنه رسول رب العالمين، ولا شك انه أحق الناس، بل أحق الخلق وأجدرهم بتحمل هذه الرسالة العظيمة عليه الصلاة والسلام.
كذلك أيضاً يعظمون الرسول عليه الصلاة والسلام حق التعظيم ويرون أنه أعظم الناس قدراً عند الله عز وجل.
لكن مع ذلك لا ينزلونه فوق منزلته التي أنزله الله، يقولون: إنه عبد الله، بل هو أعبد الناس لله عز وجل حتى إنه يقوم حتى تتورم قدماه فيقال كيف ذلك وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً".
(حديث المغيرة في الصحيحين ) قال : كان النبي r يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقيل له : لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال : أفلا أكون عبداً شكوراً .
{تنبيه} : قوله r[ أفلا أكون عبداً شكوراً] استفهام على طريق الإشفاق قيل وهو أولى من جعله للإنكار بلا شقاق أي إذا أكرمني مولاي بغفرانه أفلا أكون شكوراً لإحسانه أو أنه عطف على محذوف أي أترك صلاتي لأجل تلك المغفرة فلا أكون عبداً شكوراً وكيف لا أشكره وقد أنعم عليّ وخصني بخير الدارين.
من يحقق العبادة كتحقيق الرسول عليه الصلاة والسلام ولهذا قال: "إني والله أخشاكم لله وأعلمكم بما اتقى". فهو بلا شك أعظم العابدين عبادة وأشدهم تحقيقاً لها r ، ولهذا حين تحدث عن البصل والكراث قال المسلمون حرمت فقال: "أيها الناس إنه ليس لي تحريم ما أحل الله".
انظروا إلى هذا الأدب مع الله عز وجل هكذا العبودية، ولهذا هم يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم، عبد من عباد الله، وهو أكمل الناس في عبوديته لله.
ويؤمنون أيضاً بأن الرسول صلى الله عليه و سلم، لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله عليه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا لغيره والله تعالى قد أمره أن يبلغ ذلك إلى الأمة فقال: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَك) (الأنعام: من الآية 50).
وما هي وظيفته (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَي). ومن زعم أن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم شيئاً من الغيب غير ما أطلعه الله عليه فهو كافر بالله ورسوله، لأنه مكذب لله ورسوله.
فإن الرسول أمر أن يقول وقال: قال قولاً يتلى إلى يوم القيامة قوله: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَك) (الأنعام: من الآية 50).
وبمناسبة هذه الآية الكريمة أود أن أقول: إن القرآن الكريم أحياناً تصدر الأخبار فيه بكلمة (قُلْ) وكل شيء صدر بهذه الكلمة معناه أن الله سبحانه وتعالى اعتنى به عناية خاصة لأن الرسول، عليه الصلاة والسلام، قد أمر أن يقول كل القرآن. (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّك) (المائدة: من الآية 67). لكن هذا الذي خص بكلمة (قُلْ) فيه عناية خاصة استحق أن يصدر بالأمر بالتبليغ على وجه الخصوص، مثل هذه الآية ومثلها في الأحكام (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) (النور: من الآية 30). (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ) (النور: من الآية 31). والأمثلة كثيرة في القرآن. إذن الرسول، عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً بل ولا لغيره أيضاً (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (الجـن:الآية 21). (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ ) (الجـن: من الآية 22). لو أراد الله بي شيئاً ما أجارني أحد منه ولن أجد من دونه ملتحداً.
ويعتقدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام، بشر ليس له من شئون الربوبية شيء ولا يعلم الغيب إلا ما أطلعه عليه حتى إنه عليه الصلاة والسلام يسأل أحياناً عن شيء من الأحكام الشرعية فيتوقف حتى يأتيه الوحي، حتى إنه أحياناً يصدر القول فيقول فيأتيه الاستثناء أو الاستدراك من عند الله عز وجل فقد سئل عليه الصلاة والسلام عن الشهادة هل تكفر كل شيء؟ فقال: "نعم". ثم قال: "أين السائل؟" فقال: "إلا الدين أخبرني بذلك جبريل آنفاً". أحياناً يجتهد عليه الصلاة والسلام ولكن يأتيه الوحي من الله عز وجل بأن الخير في كذا وكذا خلاف ما اجتهد فيه صلى الله عليه وسلم. إذن الرسول عليه الصلاة والسلام عبد عابد لله عز وجل وليس له من شئون الربوبية شيء هذا هو قول أهل السنة والجماعة في r .
يعتقد أهل السنة والجماعة أيضاً أن رسول الله r ، بشر تجوز عليه كل الخصائص البشرية والجسدية فينام، ويأكل، ويشرب، ويمرض، ويتألم، ويحزن، ويرضى، ويغضب عليه الصلاة والسلام، ويموت كما يموت الناس. (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (الزمر: الآيتان 30 - 31) . ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئا ) (آل عمران: من الآية 144). ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد مات ميتة جسدية فارقت روحه جسده فيها، وقام أهله وأصحابه بما يقومون به في غيره من شئون الموتى، سوى أنه عليه الصلاة والسلام لم يجرد عند تغسيله والمعروف أنه لم يصل عليه جماعة إنما كان الناس يصلون عليه أفراداً لأنه الإمام عليه الصلاة والسلام.
ومن زعم أنه حي في قبره حياة جسدية لا حياة برزخية وأنه يصلي ويصوم ويحج وأنه يعلم ما تقوله الأمة وتفعله فإنه قد قال قولاً بلا علم.
فالرسول عليه الصلاة والسلام انقطع عمله بموته كما قال هو نفسه:
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
فعمله الذي يعمله بنفسه انقطع بموته ولكن لاشك أن كل علم علمناه من شريعة الله فإنه بواسطته عليه الصلاة والسلام وحينئذ فيكون منتفعاً من كل هذه العلوم التي علمناها بعد موته صلى الله عليه و سلم، وكذلك الأعمال الصالحة التي نعملها كانت بدلالته صلى الله عليه وسلم ، فيكون له مثل أجر العاملين.
مسألة : من هو الصحابي وما هو منهج أهل السنة و الجماعة في حق الصحابة رضي الله عنهم ؟
الصحابي من اجتمع مع النبي r أو رآه ولو لحظة مؤمنا ومات على ذلك .
منهج أهل السنة و الجماعة في حق الصحابة رضي الله عنهم :
محبتهم والثناء عليهم بما يستحقون ، وسلامة قلوبهم من البغضاء والحقد عليهم ، وسلامة ألسنتهم من قول ما فيه نقص أو شتم للصحابة كما وصفهم الله بقوله :(وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإخْوَاننَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمان وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّا لِلَّذِينَ امَنُوا رَبَّنَا انكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10).
(حديث أبي سعيد في صحيح البخاري) أن النبي r : (لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده ، لو انفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه ) .
اختلاف مراتب الصحابة رضي الله عنهم:
تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى:(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ انفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ انفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )(الحديد: من الاية10) . وسبب اختلاف مراتبهم : قوة الإيمان والعلم والعمل الصالح والسابق إلى الإسلام .
أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لان الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى : (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأنصَارِ)(التوبة: من الاية117). ولأنهم جمعوا بين الهجرة من ديارهم وأموالهم والنصرة .وأفضل الصحابة عينا أبو بكر، ثم عمر بالإجماع ، ثم عثمان ثم علي على رأي جمهور أهل السنة الذي استقر عليه أمرهم ، بعدما وقع الخلاف في المفاضلة بين علي وعثمان ، فقدم قوم عثمان وسكتوا ، وقدم قوم عليا ثم عثمان ، وتوقف قوم في التفضيل . ولا يضلل من قال بان عليا أفضل من عثمان لأنه قد قال به بعض أهل السنة .
الخلفاء الأربعة :
الخلفاء الأربعة هم : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وترتيبهم في الخلافة أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي .
ويضلل من خالف في خلافة واحد منهم ، أو خالف في ترتيبهم ؛ لأنه مخالف لإجماع الصحابة وإجماع أهل السنة . وثبتت خلافة أبى بكر بإشارة من النبي r إليها،حيث قدمه في الصلاة وفي أمارة الحج ، وبكونه أفضل الصحابة فكان أحقهم بالخلافة. وثبتت خلافة عمر بعهد أبى بكر إليه بها ، وبكونه أفضل الصحابة بعد أبى بكر .
وثبتت خلافة عثمان باتفاق أهل الشورى عليه .
وثبتت خلافة علي بمبايعة أهل الحل والعقد له ، وبكونه أفضل الصحابة بعد عثمان .
أهل بدر:
أهل بدر هم الذين قاتلوا في غزوة بدر من المسلمين ، وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا . والفضيلة التي حصلت لهم أن الله اطلع عليهم وقال:(اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) ومعناه أن ما يحصل منهم من المعاصي يغفره الله بسبب الحسنة الكبيرة التي نالوها في غزوة بدر ، ويتضمن هذا بشارة بأنه لن يرتد أحد منهم عن الإسلام .
أهل بيعة الرضوان :
أهل بيعة الرضوان هم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على قتال قريش ، وألا يفروا حتى الموت ، وسببها ما أشيع من أن عثمان قتلته قريش حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليهم للمفاوضة . وسميت ببيعة الرضوان ، لان الله رضي عنهم بها ، وعددهم نحو ألف وأربعمائة . والفضيلة التي حصلت لهم هي :
1.رضا الله عنهم : لقوله تعالى: ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ اذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (الفتح: من الاية18).
2.سلامتهم من دخول النار : لان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر انه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة .
(حديث أم بشر في صحيح مسلم ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة .
منهج أهل السنة و الجماعة في حق آل بيت النبي r
مسألة : من هم آل بيت النبي r وما منهج أهل السنة و الجماعة في حق آل بيت النبي r ؟
آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم:زوجاته وكل من تحرم عليه الزكاة من أقاربه المؤمنين كآل علي ، وجعفر ، والعباس ، ونحوهم . والواجب نحوهم المحبة والتوقير والاحترام ؛ لإيمانهم بالله ولقرابتهم من النبي صلى الله عليه وسلم ولتنفيذ الوصية التي عهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
(حديث زيد بن أرقم في صحيح الترمذي) أن النبي r قال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما .
(حديث ابن عمر في صحيح البخاري) أن أبا بكرٍ رضي الله تعالى عنه قال : ارقبوا محمداً في أهل بيته . [ أي احفظوه فيهم ]
مسألة : ما هي طوائف المبتدعة الذين ضلوا في أهل البيت :
طوائف المبتدعة الذين ضلوا في أهل البيت :
الأولي : الروافض : حيث غلو فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم حتى ادعي بعضهم أن عليا اله .
الثانية : النواصب : وهم الخوارج الذين نصبوا العداوة لآل البيت وآذوهم بالقول والفعل .
مسألة : ما هو منهج أهل السنة و الجماعة في زوجات النبي r ؟
منهج أهل السنة و الجماعة في زوجات النبي r : يتولون أزواجه ويترضون عنهن ويؤمنون أنهن أزواجه في الآخرة ، وأنهن افضل نساء هذه الأمة ؛ لمكانتهن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أمهات المؤمنين في الاحترام والتوقير وتحريم نكاحهن ، وأنهن مبرآت من كل سوء ويتبرؤون ممن آذاهن أو سبهن ويحرمون الطعن فيهن وقذفهن ولذلك يكفر من قذف واحدة منهن ؛ ولان ذلك يستلزم نقص النبي صلى الله عليه وسلم وتدنيس .
مسألة : أي نساء النبي r أفضل ؟
أفضلهن خديجة وعائشة ، وكل واحدة منهما افضل من الأخرى من جهة؛ فمزية خديجة إنها أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنها عاضدته على أمره في أول رسالته ، وإنها أم أكثر أولاده بل كلهم إلا إبراهيم ، وان لها منزلة عالية عنده ، فكان يذكرها دائما ، ولم يتزوج عليها حتى ماتت .
(حديث علي في الصحيحي) أن النبي r قال : خير نسائها مريم بنت عمران و خير نسائها خديجة بنت خويلد .
*ومزية عائشة حسن عشرتها مع النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أمره ، وان الله براها في كتابه مما رماها به أهل الإفك ، وانزل فيها آيات تتلي إلى يوم القيامة ، وإنها حفظت من هدى النبي صلى الله عليه وسلم وسنته ما لم تحفظه امرأة سواها ، وإنها نشرت العلم الكثير بين الأمة ، وان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا سواها ، فكانت تربيتها الزوجية على يديه ،
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي r قال : إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام .
مسالة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة في الخلاف والفتن التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم ؟
منهجهم في ذلك أن ما جري بينهم فانه باجتهاد من الطرفين وليس عن سوء قصد، والمجتهد إن أصاب فله أجران وان اخطأ فله اجر واحد ،
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران و إذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد .
وليس ما جري بينهم صادر عن إرادة علو ولا فساد في الأرض ؛ لان حال الصحابة رضي الله عنهم تأبى ذلك ، أنهم أوفر الناس عقولا، وأقواهم إيمانا أشدهم طلبا للحق ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:( خير الناس قرني ) كما هو ثابت في الصحيحين عن ابن مسعود .
وعلى هذا فطريق السلامة أن نسكت عن الخوض فيما جري بينهم ونرد أمرهم إلى الله ؛ لان ذلك اسلم من وقوع عداوة أو حقد على أحدهم .
مسالة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة من الآثار الواردة في الصحابة ؟
موقفهم إن الآثار الواردة في مساوئ بعضهم على قسمين :
الأول : صحيح لكنهم معذورون فيه ؛ لأنه واقع عن اجتهاد ، والمجتهد إذا اخطأ فله اجر ، وان أصاب فله أجران .
الثاني : غير صحيح أما لكونه كذبا من أصله ، وأما لكونه زيد فيه أو نقص أو غُيِّر عن وجهه ، وهذا القسم لا يقدح فيهم لأنه مردود .
مسالة : منهج أهل السنة والجماعة في عصمة الصحابة رضي الله عنهم ؟
منهجهم أن الصحابة ليسوا معصومين من الذنوب ، فإنهم يمكن أن تقع منهم المعصية كما تقع من غيرهم ، لكنهم اقرب الناس إلى المغفرة للأسباب الآتية :
1. تحقيق الإيمان والعمل الصالح .
2. السبق إلى الإسلام والفضيلة،وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون حيث قال r خير الناس قرني . كما هو ثابت في الصحيحين عن ابن مسعود .
3. الأعمال الجليلة التي لم تحصل لغيرهم كغزوة بدر وبيعة الرضوان .
4. التوبة من الذنب ، فان التوبة تجب ما قبلها .
5. الحسنات التي تمحو السيئات .
6. البلاء وهي المكاره التي تصيب الإنسان ؛ فان البلاء يكفر الذنوب .
7. دعاء المؤمنين لهم .
8. شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم التي هم أحق الناس بها .
وعلى هذا فالذي ينكر من فعل بعضهم قليل منغمر في محاسنهم ، لأنهم خير الخلق بعد الأنبياء وصفوة هذه الأمة التي هي خير الأمم ، ما كان ولا يكون مثلهم .
مسألة : ما هومنهج أهل السنة والجماعة في الشهادة بالجنة والنار ؟
منهجهم في الشهادة بالجنة على نوعين :عامة وخاصة .
فالعامة أن نشهد لعموم المؤمنين بالجنة دون شخص بعينه ، ودليلها قوله تعالى :(إن الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا) (الكهف:107) .
والخاصة أن نشهد لشخص معين بالجنة ، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة ، فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم شهدنا له مثل: العشرة وثابت بن قيس بن شماس وعكاشة ابن محصن. وغيرهم من الصحابة .
وكذلك الشهادة بالنار على نوعين : عامة وخاصة .
فالعامة ان نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار ، ودليلها قوله تعالى :( إن الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارا)(النساء: من الاية56).
والخاصة أن نشهد لشخص معين بالنار ، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة ، مثل أبى لهب وامرأته ، ومثل أبى طالب . وعمرو بن لحي الخز اعي .
مسألة : ما هو منهج أهل السنة و الجماعة في حق الأولياء و الأئمة ؟
أئمة هذه الشريعة الإسلامية ولله الحمد أئمة مشهورون أثنت عليهم الأمة وعرفت لهم قدرهم، ولكنها لا تعتقد فيهم العصمة، فليس عند أهل السنة والجماعة أحد معصوم من الخطأ ولا من الإقرار على الخطأ إلا الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه معصوم من الإقرار على الخطأ. أما غيره مهما بلغت إمامته فإنه ليس معصوماً أبداً، كل يخطئ وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r ، الذي أمرنا الله تعالى بطاعته على الإطلاق.
فهم يقولون لاشك أن في هذه الأمة أئمة، ولاشك أن فيها أولياء ولكننا لا نريد بذلك أن نثبت العصمة لأحد من هؤلاء الأئمة، ولا أن نثبت لأحد من الأولياء أنه يعلم الغيب أو يتصرف في الكون، وهم أيضاً لا يجعلون الولي من قال عن نفسه أنه ولي أو أتى بالدعايات الباطلة لأجل أن يجلب الناس إليه يقولون إن الولي بينه الله تعالى بقوله:(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: الآيتان 62، 63). هؤلاء الأولياء: الذين آمنوا، وكانوا يتقون. فالإيمان: العقيدة. والتقوى: العمل قولاً كان أو فعلاً، وأخذ شيخ الإسلام من هذه الآية عبارة طيبة وهي قوله: "من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً". هذا الولي حقيقة، لا الولي الذي يجلب الناس إليه، ويجمع الحاشية ويقول أنا أفعل ويستعين بالشياطين على معرفة الخفي، ثم يبهر الناس بما يقول فيقولون هذا ولي. لا لأن الولاية تكون باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، وبإيمانه وتقواه. فإن كان مؤمناً تقياً فهو ولي.
ولكن هؤلاء الأولياء أيضاً لا يلزم في كل ولي أن يجعل اللهله كرامة فما أكثر الأولياء الذين لا كرامة لهم، لأن الكرامة في الغالب لا تأتي إلا لنصر حق أو دفع باطل لا لتثبيت شخص بعينه فلا يلزم إذاً أن يكون لكل ولي كرامة. قد يحيى الولي ويموت وليس له كرامة وقد يكون له كرامات متعددة وهذه الكرامات كما قال أهل العلم كل كرامة لولي فإنها آية للنبي الذي اتبعه، ولا أقول "معجزة" لأن الأولى أن تسمى آية، لأن هذا التعبير القرآني والآية أبلغ من المعجزة لأن الآية معناها العلامة على صدق ما جاء به هذا الرسول، والمعجزة قد تكون على يد مشعوذ أو على يد إنسان قوي يفعل ما يعجز عنه غيره، لكن التعبير بـ "الآية" أبلغ وأدق وهي التعبير القرآني فنسمي المعجزات بالآيات هذا هو الصواب.
يوجد أناس حسب ما نسمع في هذه الأمة يدعون أنهم أولياء ولكن من تأمل حالهم وجد أنهم بعيدون عن الولاية، وأنه لا حظ لهم فيها لكن لهم شياطين يعينونهم على ما يريدون فيخدعون بذلك البسطاء من الناس.
مسألة : ما هو منهج أهل السنة و الجماعة في الإصلاح في المجتمع ؟
يرى أهل السنة والجماعة أن المجتمع الإسلامي لا يكمل صلاحه إلا إذا تمشى مع ما شرعه الله سبحانه وتعالى له، ولهذا يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمعروف: كل ما عرفه الشرع وأقره، والمنكر: كل ما أنكره الشرع وحرمه فهم يرون أن المجتمع الإسلامي لا يصلح إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لأننا لو فقدنا هذا المقوم لحصل التفرق، كما يشير إليه قول الله عز وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران: الآيتان 104، 105).
وهذا المقوم وللأسف في هذا الوقت ضاع أو كاد لأنك لا تجد شخصاً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حتى في المحيط القليل المحصور إلا ما ندر.
وإذا ترك الناس هكذا كل إنسان يعمل ما يريد تفرق الناس ولكن إذا تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر صاروا أمة واحدة ولكن لا يلزم إذا رأيت أمراً معروفاً أن يكون معروفاً عند غيرك، إلا في شيء لا مجال للاجتهاد فيه إنما ما للاجتهاد فيه مجال فقد أرى أن هذا من المعروف ويرى الآخر أنه ليس منه وحينئذ يكون المرجع في ذلك كتاب الله وسنة رسوله r. (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (النساء: من الآية 59). ولكن طريقة أهل السنة والجماعة في هذا الباب العظيم الذي فضلت فيه هذه الأمة على غيرها أنهم يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مقومات المجتمع الإسلامي ولكنه يحتاج إلى أمور:
أولاً: أن يكون الإنسان عالماً بالحكم بحيث يعرف أن هذا معروف وأن هذا منكر، أما أن يأتي عن جهل ثم يأمر بشيء يراه معروفاً في ظنه وليس بمعروف فهذا قد يكون ضره أكبر من نفعه، لذلك لو فرضنا شخصاً تربى في مجتمع يرون أن هذه البدعة معروف ثم يأتي إلى مجتمع جديد غيره يجدهم لا يفعلونها فيقوم وينكر عليهم عدم الفعل ويأمرهم بها فهذا خطأ، فلا تأمر بشيء إلا حيث تعرف أنه معروف في شريعة الله، ليس بعقيدتك أنت وما نشأت عنه فلابد من معرفة الحكم وأن هذا معروف حتى تأمر به وكذلك المنكر.
ثانياً: لابد أن تعلم أن هذا المعروف لم يفعل، وأن هذا المنكر قد فعل، وكم من إنسان أمر شخصاً بمعروف فإذا هو فاعله فيكون في هذا الأمر عبئاً على غيره وربما يضع ذلك من قدره بين الناس.
وإذا رأينا هدي النبي r ، وجدنا أن هذه طريقته دخل رجل يوم الجمعة والنبي r ، يخطب وجلس فقال النبي r ، "أصليت؟" قال لا. قال: "فقم فصل ركعتين" صلاة الركعتين لداخل المسجد من المعروف ولا شك ولكن الرسول، عليه الصلاة والسلام ما أمره به مباشرة حتى علم أنه لم يفعله فأنت قد تأمر هذا الرجل أن يفعل شيء، وإذا هو قد فعله فتتسبب إلى التعجل وعدم التريث وتحط من قدرك ولكن اسأل وتحقق إذا لم يفعل حينئذ تأمر به.
وكذلك أيضاً بالنسبة للمعاصي فبعض الناس قد ينهى شخصاً عما يراه منكراً وليس بمنكر.
مثال ذلك:
رأيت رجلاً يصلي الفريضة وهو جالس فنهيته بأن ليس له حق أن يصلي وهو جالس. فهذا غير صحيح لكن اسأل أولاً لماذا جلس، قد يكون له عذر في جلوسه وأنت لا تعلم حينئذ تكون متسرعاً ويكون ذلك ناقصاً من قدرك، هذا أمر أيضاً لابد منه:
أن تعرف الحكم الشرعي، وأن تعرف الحال التي عليها المأمور والمنهي حتى تكون على بصيرة من أمرك.
ثالثاً: أن لا يترتب على فعل المعروف ما هو منكر أعظم مفسدة من منفعة المعروف، فإن ترتب على فعل المعروف منكر هو أشد ضرراً من المنفعة الحاصلة بهذا المعروف إن درأ المفاسد أولى من جلب المصالح، وهذه الكلمة المعروفة هي القاعدة التي دل عليها القرآن ليست أيضاً على إطلاقها أي أنه ليست كل مفسدة درؤها أولى من جلب مصلحة، بل إذا تكافئت مع المصلحة فدرء المفسدة أولى، وإذا كانت أعظم من المصلحة فدرء المفسدة أولى، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) (الأنعام: من الآية 108). فسبت آلهة المشركين كل يعلم أنه مصلحة وأن فيه خيراً لكن إذا تضمنت هذه المصلحة ما هو أنكر – وأنكر من باب التفاضل الذي ليس في الطرف الآخر منه شيء – إذا تضمن مفسدة عظيمة فإنها تترك، لأننا إذا سببنا آلهتهم ونحن نسبها بحق سبوا الله عدواً بغير علم.
فهذه نقطة ينبغي أن نتفطن لها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما إذا كانت المفسدة تنغمر في جانب المصلحة، فإننا نفضل المصلحة ولا يهمنا وهذا عليه شيء كثير من أحكام الله الشرعية والكونية.
فمثلاً هذا المطر الذي ينزل وفيه مصلحة عامة لكن فيه ضرراً على إنسان بنى سقفه الآن وجاء المطر فأفسده لكن هذه المفسدة القليلة منغمرة في جانب المصلحة العامة. وهكذا أيضاً الأحكام الشرعية كالأحكام الكونية وهذا أمر ينبغي التنبه له، وهو أننا قد لا يكون من المصلحة أن ننهى عن هذا المنكر لأنه يتضمن مفسدة أكبر ولكننا نتريث حتى تتم الأمور.
ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتدرج في التشريع حتى يقبلها الناس شيئاً فشيئاً، وهكذا المنكر لابد أن نأخذ الناس فيه بالمعالجة حتى يتم الأمر هذه هي الأمور الثلاثة :
1- العلم بالحكم .
2- العلم بالحال .
3- أن لا يترتب على فعل المعروف منكر أعظم مفسدة
مسألة : ما هو منهج أهل السنة و الجماعة في الإيمان ؟
الإيمان حقيقته عند أهل السنة والجماعة هو: "اعتقاد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح". ويستدلون لقولهم هذا بقول النبي r في (حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". فالقول قول اللسان "لا إله إلا الله"، وعمل الجوارح وإماطة الأذى عن الطريق، والحياء عمل القلب.
أما عقيدة القلب فقوله، r : "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره".
(حديث عمر بن الخطاب في صحيح مسلم ) قال : بينما نحن عند رسول الله r ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن إمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .
وهم أيضاً يقولون إن الإيمان يزيد وينقص، فالقرآن قد دل على زيادته والضرورة العقلية تقتضي أن كل ما ثبت أنه يزيد فهو ينقص إذ لا تعقل الزيادة بدون نقص (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا) (المدثر: من الآية 31). (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانا) (التوبة: من الآية 124). ولاشك في ذلك، ومتى قلنا إن الإيمان قول وعمل فإنه لاشك أن الأقوال تختلف فليس من قال: "سبحان الله والحمد لله، والله أكبر" مرة كمن قالها أكثر، وكذلك أيضاً نقول إن الإيمان الذي هو عقيدة القلب يختلف قوة وضعفاً وقد قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة: من الآية 260). فإنه ليس الخبر كالمعاينة والمشاهدة.
رجل أخبر بخبر أخبره رجل واحد حصل عنده شيء من هذا الخبر فإذا جاء ثان إزداد قوة فيه، وإذا جاءه الثالث ازداد قوة وهلم، وعليه نقول: الإيمان يزيد وينقص حتى في عقيدة القلب وهذا أمر يعلمه كل إنسان من نفسه، وأما من أنكر زيادته ونقصانه فإنه مخالف للشرع والواقع. فهو يزيد وينقص.
الكبيرة كل ذنب قرن بعقوبةٍ خاصة ، كالزنى والسرقة وعقوق الوالدين والغش ومحبة السوء للمسلمين وغير ذلك . وحكم فاعلها من حيث الاسم انه مؤمن ناقص الإيمان ، ، وليس خارجا من الإيمان لقوله تعالى في القاتل عمدا: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ)(البقرة: من الاية178). فجعل الله المقتول أخا للقاتل ، ولو كان خارجا من الإيمان ما كان المقتول أخا له ، ولقوله تعالى في الطائفتين المقتتلتين : (وَان طَائِفَتَان مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )(الحجرات: من الاية9). إلى قوله : (إنمَا الْمُؤْمِنُونَ أخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ)(الحجرات: من الاية10). فجعل الله الطائفتين المقتتلتين مع فعلهما الكبيرة أخوة للطائفة الثالثة المصلحة بينهما .
وحكم فاعل الكبيرة من حيث الجزاء انه مستحق للجزاء المرتب عليه ، ولا يخلد في النار ، وأمره إلى الله إن شاء عذبه بما يستحق ، وان شاء غفر له ، فمآله إلى الجنة مادام قد مات على التوحيد ، يدخل الجنة يوماً من الأيام أصابه قبل ذلك اليوم ما أصابه لقوله تعالى : (إن اللَّهَ لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء: من الاية48) .
مسألة : ما هي طوائف المبتدعة التي خالفت أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة ؟
طوائف المبتدعة التي خالفت أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبيرة ثلاثة طوائف :
1. المرجئة : قالوا : إن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا عقاب له .
2. الخوارج : قالوا : انه كافر مخلد في النار .
3. المعتزلة : قالوا : لا مؤمن ولا كافر ، في منزلة بين منزلتين ، وهو مخلد في النار .
مسألة : هل الفاسق يدخل في اسم الإيمان ؟
الفاسق لا يدخل في اسم الإيمان الكامل ، كما في قوله تعالى : (إنمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2) .وإنما يدخل في مطلق الإيمان أي في اقل ما يقع عليه الاسم ، كما في قوله تعالى :( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(النساء: من الاية92).فالمؤمن هنا يشمل الفاسق وغيره .
مسألة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة في أركان الإيمان ؟
للإيمان أركانٌ ستة هي : الإيمان بالله أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ، وهذه الأركان بينتها حديث جبريل في مراتب الدين :
(حديث عمر بن الخطاب في صحيح مسلم ) قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن إمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .
الإيمان بالله تعالى يجب أن يتضمن أربعة أمور ، ما هي ؟
والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور:
1- الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى.
2- الإيمان بربوبيته، أي: الانفراد بالربوبية.
3- الإيمان بانفراده بالألوهية.
4- الإيمان بأسمائه وصفاته. لا يمكن أن يتحقق الإيمان إلا بذلك.
فمن لم يؤمن بوجود الله، فليس بمؤمن، ومن آمن بوجود الله لا بانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية والألوهية لكن لم يؤمن بأسمائه وصفاته، فليس بمؤمن، وإن كان الأخير فيه من يسلب عنه الإيمان بالكلية وفيه من يسلب عنه كمال الإيمان.
الإيمان بوجود الله :
إذا قال قائل: ما الدليل على وجود الله عز وجل؟
قلنا: الدليل على وجود الله: العقل، والحس، والشرع.
ثلاثة كلها تدل على وجود الله، وإن شئت، فزد: الفطرة، فتكون الدلائل على وجود الله أربعة: العقل، والحس، والفطرة، والشرع. وأخرنا الشرع، لا لأنه لا يستحق التقديم، لكن لأننا نخاطب من لا يؤمن بالشرع.
ـ فأما دلالة العقل، فنقول: هل وجود هذه الكائنات بنفسها، أو وجدت هكذا صدفة؟
فإن قلت: وجدت بنفسها، فمستحيل عقلاً ما دامت هي معدومة؟ كيف تكون موجودة وهي معدومة؟! المعدوم ليس بشيء حتى يوجد، إذاً لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها وإن قلت: وجدت صدفة، فنقول: هذا يستحيل أيضاً، فأنت أيها الجاحد، هل ما أنتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها، هل وجد هذا صدفة؟! فيقول: لا يمكن أن يكون. فكذلك هذه الأطيار والجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والجمر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة أبداً.
ويقال: إن طائفة من السمنية جاؤوا إلى أبي حنيفة رحمه الله، وهم من أهل الهند، فناظروه في إثبات الخالق عز وجل، وكان أبو حنيفة من أذكى العلماء فوعدهم أن يأتوا بعد يوم أو يومين، فجاءوا، قالوا: ماذا قلت؟ أنا أفكر في سفينة مملوءة من البضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتى أرسلت في الميناء ونزلت الحمولة وذهبت، وليس فيها قائد ولا حمالون.
قالوا: تفكر بهذا؟! قال: نعم. قالوا: إذاً ليس لك عقل! هل يعقل أن سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف؟! هذا ليس معقول! قال: كيف لا تعقلون هذا، وتعقلون أن هذه السماوات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس كلها بدون صانع؟ فعرفوا أن الرجل خاطبهم بعقولهم، وعجزوا عن جوابه هذا أو معناه.
وقيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟
ولهذا قال الله عز وجل: ]أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون[ [الطور: 35].
فحينئذ يكون العقل دالاً دلالة قطعية على وجود الله.
- وأما دلالة الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله عز وجل، يقول: يا رب! ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسه، هو نفسه لم يدع إلا الله، واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين. وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا، أن الله استجاب له.
وفي القرآن كثير من هذا، مثل: ]وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (83) فاستجبنا له[ [الأنبياء: 83-84] وغير ذلك من الآيات.
- وأما دلالة الفطرة، فإن كثيراً من الناس الذين لم تنحرف فطرهم يؤمنون بوجود الله، حتى البهائم العجم تؤمن بوجٍٍٍٍِود الله، وقصة النملة التي رويت عن سليمان عليه الصلاة والسلام، خرج يستسقي، فوجد نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها نحو السماء، تقول: اللهم أنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا سقياك.
فقال: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم، فالفطر مجبولة على معرفة الله عز وجل وتوحيده.
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: ]وإذ أخذ ربكم من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم[ [الأعراف: 172: 173]، فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته وسواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته.
هذه أدلة أربعة تدل على وجود الله سبحانه وتعالى.
- وأما دلالة الشرع، فلأن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسل بها رب رحيم حكيم، ولا سيما هذا القرآن المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله.
[2] توحيد الربوبيةِ هو إفرادُ الله بالخلق ِ والملك ِ والتدبير .
والدليلُ قوله تعالى ( ألا له الخلقُ والأمر ) { الأعراف / 54 }
والأمرُ هنا معناه التدبير .
وقوله تعالى ( لله ملك السموات والأرض ) { المائدة / 17 }
الشاهد :تقديم ما حقَّه التأخير يفيدُ الحصر
{ تنبيه }التدبير الذي يختصُ به الله تعالى نوعان هما :
1) تدبيرٌكوني : فالله تعالى يدبرُ أمور الكون وما فيه ، هو المحيي المميت الخافض الرافع المعطي المانع المعز المذل يُولج الليل في النهار ويلج النهار في الليل
قال تعالى : (قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ،تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) {آل عمران / 26 ، 27 }
2) تدبيرٌ شرعي : يحلل ويحرِّم .
[3] توحيد الأ لوهية :
توحيدُ الأ لوهية هو (إفرادُ الله بالعبادة )، أي لا معبود بحقٍ إلا الله .
والدليلُ قوله تعالى قال تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ( آل عمران /18)
وقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) ( محمد / 19 )
.
[4] توحيد الأسماءِ والصفات :
توحيدُ الأسماء ِ والصفات هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء ِ الحسنى والصفاتِ العُلى .
{ تنبيه } في هذا النوع من التوحيد ضابطين أساسيين :
1) لا نصفُ الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله r
قال الإمامُ أحمد رحمه الله : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسَه أو وَصفَه به رسوله لا يتجاوزُ القرآن والحديث .
2 ) أن يكون وصفنا لله تعالى بغيرِ تحريفٍ ولا تعطيل ولا تكيفٍ ولا تمثيل .
مسألة : ما معنى التحريف ؟
التحريفُ نوعان :
النوع الأول : تحريفٌ لفظي كتغيير حرفٍ بحرف ، أو زيادة حرف كمن يقول ( استوى على العرش ) استولى ، وقوله حطه أي حنطه . نعوذ بالله من الضلال والخبال .
النوعُ الثاني : تحريفٌ معنوي وهو التأويلُ بغير دليل ، لأي صرف النص عن ظاهره بغير دليلٍ شرعي وهو ما يُسمى بالتأويلِ الفاسد ، كحا لِ بعض الفرق الضالة الذين يفسرون قوله تعالى { بل يداه مبسوطتان } فيفسرون يداه بالسماوات والأرض ، نعوذ بالله من الضلالِ والخبال .
مسألة : ما معنى التعطيل ؟
التعطيلُ هو إنكارُ صفاتِ الله تعالى إما كلها أو بعضها ، وكون الإنكارُ عن طريقتين : إما التحريف أو التكذيب
{ تنبيه } التعطيلُ أعم من التحريف ، يكون تعطيلٌ وتحريف ، وإن كان التعطيلُ بالإنكار يكون تعطيلٌ فقط .
مسألة : ما معنى التكييف ؟
التكييف ذكرُ كيفيةٍ للصفة ، وهذا منهيٌ عنه ، ولما سُئلَ الإمامُ مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟ قال :
الاستواء غيرُ مجهول ( أي من حيثُ المعنى )
والكيفُ غير معقول ( أي لا تدركه العقول )
والإيمانُ به واجب (لأنه سبحانه أثبته لنفسه )
والسؤالُ عنه بدعة ( لأن الصحابة َلم يسألوا عنه وهم أحرصُ الناسِ على الخير وأعلم الناسِ بما يجيزه الشرع .
مسألة : ما معنى التمثيل ؟
التمثيلُ هو مماثلة صفات الله تعالى بصفاتِ المخلوقين ، وهذا من الضلالِ والخبال لأن الله تعالى يقول ( ليس كمثلهِ شئٌ وهو السميعُ البصير) [ الشورى / 11 ]
{ تنبيه } التكييف أعم من التمثيل ، لأن التكييفَ إن كان له مماثل كان تكييفاً وتمثيلاٌ ، وإن لم يكن له مماثل كان تكييفاٌ فقط .
قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى :
وكلِ ما لهُ مـن الـصـــفاتِ |
|
أثبتـــها في محـكمِ الآياتِ |
أوْصَـحَّ فيما قاله الرســـولُ |
|
فحـقَّهُ التسليـمُ والقبـــولُ |
نُمِرُّها صريحةً كمــا أتـــتْ |
|
مع اعتقادنا لـما لــه اقتدتْ |
من غيـرِ تحرِيـفٍ ولا تعطيـلِ |
|
وغيـرِ تمثيـــلٍ ولا تكييفِ |
مسألة : كيف الإيمان بالملائكة؟
الإيمان بالملائكة : الاعتقاد الجازم بأن لله تعالى ملائكة مخلوقون من نور كما ثبت في السنة الصحيحة
(حديث عائشة في صحيح مسلم) أن النبي r قال : خُلقت الملائكة من نور و خُلق الجان من مارجٍ من نار و خُلق آدم مما و صف لكم .
نؤمن بأنهم عالم غيبي لا يشاهدون، وقد يشاهدون، إنما الأصل أنهم عالم غيبي مخلوقون من نور مكلفون بما كلفهم الله به من العبادات وهم خاضعون لله عز وجل أتم الخضوع، ]لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون[ [التحريم: 6].
ونؤمن أنهم أجساد، بدليل قوله تعالى: ]جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة[ [فاطر، 1]، ورأى النبي r جبريل على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق(1)، خلافاً لمن قال: إنهم أرواح.
إذا قال قائل: هل لهم عقول؟ نقولك هل لك عقل؟ ما يسأل عن هذا إلا رجل مجنون، فقد قال الله تعالى: ]لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون[ [التحريم: 6]، فهل يثني عليهم هذا الثناء وليس لهم عقول؟! ]يسبحون الليل والنهار لا يفترون[ [الأنبياء: 20]، أنقول: هؤلاء ليس لهم عقول؟! يأتمرون بأمر الله، ويفعلون ما أمر الله به ويبلغون الوحي، ونقول: ليس لهم عقول؟! أحق من يوصف بعدم العقل من قال: إنه لا عقول له!!
مسألة : هل يكفي الإيمان بالملائكة إجمالاً ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
ما ورد تعينه باسمه المخصوص كجبريل وميكائيل ورضوان ومالك ، وكذا من ورد تعيين نوعهم المخصوص بوظائف كحملة العرش والحفظة والكتبة فيجب الإيمان بهم على سبيل التفصيل ، وأما البقية فيجب الإيمان بهم إجمالاً .
مسألة : ما هو الإيمان بكتب الله تعالى ؟
الإيمان بكتب الله تعالى هو ا لتصديق الجازم بأن لله تعالى كتباً أنزلها على أنبيائه ورسله وهي من كلامه حقيقة وهي نورٌ وهدى وأن ما تضمنتها حق ولا يعلم عددها إلا الله تعالى ، ويجب الإيمان بها جملةً إلا ما سمى الله منها وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن فيجب الإيمان بها على التفصيل .
ويجب أن نعتقد أن هذه الكتب نزلت بالهدى ودين الحق وأنها جميعاً نزلت لتوحيد الله تعالى ، وأما ما نسب إليها مما يخالف ذلك فمن تحريف البشر .
ومن الإيمان بهذه الكتب أن نعتقد أن القرآن الكريم آخر كتاب نزل من عند الله تعالى ، وقد خصه الله تعالى بمزايا تميز بها عن سائر الكتب السابقة منها :
[1] تضمن خلاصة التعاليم الدينية
[2] أنزله الله تعالى مهيمناً ورقيباً بمعنى أنه يُقِرُّ ما في الكتب السابقة من حق ويبين ما فيها من تحريف .
قال تعالى: (وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [سورة: المائدة - الآية: 48]
[3] أنه جاء بشريعة عامة للبشرِ كلهم بيَّن فيه ما يلزمهم لسعادتهم في الدارين .
[4] هو الكتاب الرباني الوحيد الذي تكفَّل الله تعالى بحفظه ، قال تعالى: (إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة: الحجر - الآية: 9]
مسألة : ما هو الإيمان برسل الله تعالى ؟
الإيمان برسل الله تعالى هو التصديق بأن لله تعالى رسلٌ أرسلهم للبشرِ مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل ، فيجب الإيمان بمن سمى الله تعالى منهم في كتابه على التفصيل والإيمان جملةً بأن لله تعالى رسلا غيرهم وأنبياء لا يحصي عددهم إلا الله تعالى و لا يحصي أسمائهم إلا الله تعالى لأن بعضهم قد بينه الله تعالى في كتابه و بعضهم لم يُبينه الله تعالى في كتابه .
قال تعالى: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَىَ تَكْلِيماً) [سورة: النساء - الآية: 164]
و الإيمان بالرسل يتضمن الإيمان بأنهم صادقون في رسالتهم ، وتصديق ما اخبروا به والتزام أحكام شرائعهم غير المنسوخة ، والشرائع السابقة كلها منسوخة بشريعة r .
ورسل الله هم الذين أوحى الله إليهم بالشرائع وأمرهم بتبليغها، وأولهم نوح وآخرهم محمد r .
الدليل على أن أولهم نوح: قوله تعالى: ]إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده[ [النساء: 163]، يعني: وحياً، كإيحائنا إلى نوح والنبيين من بعده، وهو وحي الرسالة. وقوله: ]ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب[ [الحديد: 26]: ]في ذريتهما[، أي ذرية نوح وإبراهيم، والذي قبل نوح لا يكون من ذريته. وكذلك قوله تعالى: ]وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوماً فاسقين[ [الذاريات: 46]، قد نقول: إن قوله: ]من قبل[: يدل على ما سبق.
إذاً من القرآن ثلاثة أدلة تدل على أن نوحا أول الرسل ومن السنة ما ثبت في حديث الشفاعة: "أن أهل الموقف يقولون لنوح: أنت أول رسول أسله الله إلى أهل الأرض، وهذا صريح.
أما آدم عليه الصلاة والسلام، فهو نبي، وليس برسول.
وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، لقوله تعالى: ]ولكن رسول الله وخاتم النبيين[ [الأحزاب: 40]، ولم يقل: وخاتم المرسلين، لأنه إذا ختم النبوة، ختم الرسالة من باب أولى.
مسألة : كم عدد الرسل المذكورين في القرآن الكريم ,من هم ؟
عدد الرسل المذكورين في القرآن الكريم خمسٌ وعشرون منهم ثمانية عشر في سورة الأنعام والباقي في سورٍ متعددة ، وهؤلاء الرسل هم :
آدَمَ وإدريس وَنُوح وهُود وصالح و إِبْرَاهِيمَ وَلُوط ويونس وَإِسْمَاعِيلَ وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون واليسع وذا الكفل وداود وسليمان وذكريا وإلياس ويحيى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرّيّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىَ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَىَ وَعِيسَىَ وَإِلْيَاسَ كُلّ مّنَ الصّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) [الأنعام 84 - 86 ]
قال تعالى: (وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً) [سورة: الأعراف - الآية: 65]
قال تعالى: (وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحاً) [سورة: الأعراف - الآية: 73]
قال تعالى: (وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً) [سورة: الأعراف - الآية: 85]
قال تعالى: (إِنّ اللّهَ اصْطَفَىَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 33]
قال تعالى: (مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ) [سورة: الفتح - الآية: 29]
مسألة ما موضوع رسالة الرسل ، وما الحكمة فيها ؟
موضوع رسالة الرسل هو التبشير والتنذير قال تعالى: (رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [سورة: النساء - الآية: 165]
و الحكمة من إرسال الرسل دعوة أممهم إلى عبادة الله تعالى وحده والنهي عن عبادة ما سواه .
قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ) [سورة: النحل - الآية: 36]
مسألة : من هم أولوا العزم من الرسل ؟
أولوا العزم من الرسل هم محمد ونوح و إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ المذكورون في سورة الشورى .
قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلاَ تَتَفَرّقُواْ فِيهِ) [سورة الشورى - الآية: 13]
و قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [سورة: الأحزاب - الآية: 7]
مسألة : ما هو واجبنا نحو الرسل عليهم الصلاة والسلام ؟
واجبنا نحو الرسل عليهم الصلاة والسلام :
[1] يجب علينا أن نعتقد اعتقاداً جازماً بأنهم بلَّغوا جميع ما أُرسلوا به على ما أمرهم الله تعالى به وبينوه بياناً واضحاً لا سعُ أحداً مما أُرسلوا إليه جهله ولا يحلٌُ خلافه قال تعالى: (مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) [سورة: النساء - الآية: 80]
[2] يجب علينا أن نؤمن بهم ونصدقهم كلهم , ولا نفرِّق بين أحدٍ منهم ، فمن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض كان من الكافرين بنص القرآن قال تعالى: (إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً) [النساء :150،151]
[3] يجب علينا أن نعتقد أن كل رسولٍ قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة على النحو الأكمل وأنهم بلغوا جميع ما أُرسلوا به على ما أمرهم الله تعالى به وبينوه بياناً واضحاً لا سعُ أحداً مما أُرسلوا إليه جهله ولا يحلٌُ خلافه .
[4] يجب علينا أن نعتقد أنهم معصومون من الكبائر وأما الصغائر فقد تقع منهم والكتاب والسنة يدلان على ذلك لكن يوفقون للتوبة منها .
[5] يجب علينا أن نعتقد أنهم أكمل الخلق علماً وعملاً وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقاً وأن الله تعالى خصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحداً وبرأهم من كلِ خلقٍ رزيل .
[6] يجب محبتهم وتوقيرهم ويحرم الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم ولا تُنزليهم منزلة لا تنبغي إلا لله تعالى
( حديث عمر في صحيح البخاري ) أن النبي r قال : لا تطروني لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله و رسوله .
مسالة : ما هو البعث ، وما حكم إنكار البعث ؟
البعث بمعنى الإخراج، يعني: إخراج الناس من قبورهم بعد موتهم.
وهذا من معتقد أهل السنة والجماعة.
وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، بل إجماع اليهود والنصارى، حيث يقرون بأن هناك يوماً يبعث الناس فيه ويجازون:
- أما القرآن، فيقول الله عز وجل: ]زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن[ [التغابن: 7] وقال عز وجل: ]ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون[ [المؤمنون: 15-16].
- وأما في السنة، فجاءت الأحاديث المتواترة عن النبي r في ذلك.
- وأجمع المسلمون على هذا إجماعاً قطعياً، وأن الناس سيبعثون يوم القيامة ويلاقون ربهم ويجازون بأعمالهم، ]فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره[ [الزلزلة: 7-8].
]يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه[ [الانشقاق: 6]، فتذكر هذا اللقاء حتى تعمل له، خوفاً من أن تقف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة وليس عندك شيء من العمل الصالح، انظر ماذا عملت ليوم النقلة؟ وماذا عملت ليوم اللقاء؟ فإن أكثر الناس اليوم ينظرون ماذا عملوا للدنيا، مع العلم بأن هذه الدنيا التي عملوا لها لا يدرون هل يدركونها أم لا؟ قد يخطط الإنسان لعمل دنيوي يفعله غداً أو بعد غد، ولكنه لا يدرك غداً ولا بعد غد، لكن الشيء المتيقن أن أكثر الناس في غفلة من هذا، قال الله تعالى: ]بل قلوبهم في غمرة من هذا[ [المؤمنون: 63] وأعمال الدنيا يقول: ]ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون[ [المؤمنون: 63]، فأتى بالجملة الاسمية المفيدة للثبوت والاستمرار: و]هم لها عاملون[، وقال تعالى: ]قد كنت في غفلة من هذا[ [ق: 22]: يعني: يوم القيامة وقال تعالى: ]فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد[ [ق: 22].
هذا البعث الذي اتفقت عليه الأديان السماوية وكل متدين بدين هو أحد أركان الإيمان الستة وهو من معتقدات أهل السنة والجماعة ولا ينكره أحد ممن ينتسب إلى ملة أبداً.
حكم إنكار البعث : إنكار البعث كفراً أكبر يخرج من الملة .
قال تعالى: (زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ) [سورة: التغابن - الآية: 7]
و قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ* وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الّذِيَ أَنشَأَهَآ أَوّلَ مَرّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس 77: 79]
مسألة : ما هوالإيمان باليوم الآخر ؟
الإيمان باليوم الآخر يتضمن الإيمان بكل ما اخبر به النبي r مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحساب والحشر والميزان والصراط والشفاعة وغير ذلك .
{تنبيه} : لا يتحقق الإيمان باليوم الآخر إلا بأمرين :
[1] أن نؤمن باليوم الآخر بصفة إجمالية .
[2] أن نؤمن بكل ما اخبر به النبي r مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحساب والحشر والميزان والصراط والشفاعة وغير ذلك .
مسألة : ما هو الإيمان بالقدر خيره وشره ؟
القدر هو: "تقدير الله عز وجل للأشياء".
وقد كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة(1)، كما قال الله تعالى: ]ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير[ [الحج: 70].
"خيره وشره": أما وصف القدر بالخير، فالأمر فيه ظاهر. وأما وصف القدر بالشر،[فالمراد به شر المقدور لا شر القدر] الذي هو فعل الله، فإن فعل الله عز وجل ليس فيه شر، كل أفعاله خير وحكمة، لأنه تعالى يقدرُ الأشياء لحكمةٍ بالغةً قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها ولكن الشر في مفعولاته ومقدورا ته، فالشر هنا باعتبار المقدور والمفعول، أما باعتبار الفعل، فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "والشر ليس إليك .
فمثلاً، نحن نجد في المخلوقات المقدورات شراً، ففيها الحيات والعقارب والسباع والأمراض والفقر والجدب وما أشبه ذلك، وكل هذه بالنسبة للإنسان شر، لأنها لا تلائمه، وفيها أيضاً المعاصي والفجور والكفر والفسوق والقتل وغير ذلك، وكل هذه شر، لكن باعتبار نسبتها إلى الله هي خير، لأن الله عز وجل لم يقدرها إلا لحكمةٍ بالغةً قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
وعلى هذا يجب أن تعرف أن الشر الذي وصف به القدر إنما هو باعتبار المقدورات والمفعولات، لا باعتبار التقدير الذي هو تقدير الله وفعله.
ثم اعلم أيضاً أن هذا المفعول الذي هو شر قد يكون شراً في نفسه، لكنه خير من جهة أخرى، قال الله تعالى: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[ [الروم: 41]، النتيجة طيبة، وعلى هذا، فيكون الشر في هذا المقدور شراً إضافياً يعنى: لا شراً حقيقياً، لأن هذا ستكون نتيجته خيراً.
فحد الزاني مثلاً إذا كان غير محصن أن يجلد مئة جلدة ويسفر عن البلد لمدة عام، هذا لا شك أنه شر بالنسبة إليه، لأنه لا يلائمه، لكنه خير من وجه آخر لأنه يكون كفارة له، فهذا خير، لأن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، فهو خير له، ومن خيره أنه ردع لغيره ونكال لغيره، فإن غيره لو هم أن يزني وهو يعلم أنه سيفعل به مثل ما فعل بهذا، ارتدع، بل قد يكون خيراً له هو أيضاً، باعتبار أنه لن يعود إلى مثل هذا العمل الذي سبب له هذا الشيء.
أما بالنسبة للأمور الكونية القدرية، فهناك شيء يكون شراً باعتباره مقدوراً، كالمرض مثلاً، فالإنسان إذا مرض، فلا شك أن المرض شر بالنسبة له، لكن فيه خير له في الواقع، وخيره تكفير الذنوب، قد يكون الإنسان عليه ذنوب ما كفرها الاستغفار والتوبة، لوجود مانع، مثلاً لعدم صدق نيته مع الله عز وجل فتأتي هذه الأمراض والعقوبات، فتكفر هذه الذنوب.
ومن خيره أن الإنسان لا يعرف قدر نعمة الله عليه بالصحة، إلا إذا مرض، نحن الآن أصحاء ولا ندري ما قدر الصحة لكن إذا حصل المرض، عرفنا قدر الصحة فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى.. هذا أيضاً خير، وهو أنك تعرف قدر النعمة.
ومن خيره أنه قد يكون في هذا المرض أشياء تقتل جراثيم في البدن لا يقتلها إلا المرض، يقول الأطباء: بعض الأمراض المعينة تقتل هذه الجراثيم التي في الجسد وأنك لا تدري.
فالحاصل أننا نقول:
أولاً: الشر الذي وصف به القدر هو شر بالنسبة لمقدور الله، أما تقدير الله، فكله خير والدليل قول النبي r "والشر ليس إليك .
ثانياً: أن الشر الذي في المقدور ليس شراً محضاً بل هذا الشر قد ينتج عنه أمور هي خير، فتكون الشرية بالنسبة إليه أمراً إضافياً.
مسألة : ما هي أركان الإيمان بالقدر ؟
الإيمان بالقدر له أربعة أركان :
الركن الأول : العلم وهى أن يؤمن الإنسان أيمانا جازما بان الله تعالى بكل شي عليم وانه يعلم ما في السماوات والأرض جملة وتفصيلاً سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته وانه لا يخفى على الله شي في الأرض ولا في السماء .
الركن الثاني : الكتابة وهى إن الله تبارك وتعالى كتب عنده في اللوح المحفوظ مقادير كل شي .وقد جمع الله تعالى بين هاتين المرتبتين في قوله .( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض أن ذلك في كتاب أن ذلك على الله يسير)[الحج :70] فبدا سبحانه بالعلم وقال أن ذلك في كتاب أي انه مكتوب في اللوح المحفوظ كما جاء به الحديث عن رسوله الله r .
(حديث عبادة بن الصامت في صحيح أبي داود) أن النبي r قال : ? ــ إن أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب قال : يا رب و ما أكتب ؟ قال : اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة من مات على غير هذا فليس مني .
ولهذا سئل النبي r أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب الأول قال ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ).
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل فأنت يا أخي اعمل وأنت ميسر لما خلقت له .
ثم تلا r قوله تعالى : (( فآما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى (7) وأما من بخل واستغنى (8) وكذب بالحسنى (9) فسنيسره للعسرى)) [ الليل: 5 ـ 10]
الركن الثالث : المشيئة وهى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وجد موجود إلا بمشيئة الله تعالى وما عدم معدوم إلا بمشيئة الله تعالى وهذا ظاهر في القران الكريم وقد اثبت الله تعالى مشيئته في فعله ومشيئته في فعل العباد فقال الله تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) [ التكوير : 28، 29 ] ( ولو شاء ربك ما فعلوه ) [ الأنعام : 112 ] ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد ) [ البقرة : 253 ] .
فبين الله تعالى أن فعل الناس كائن بمشيئته وأما فعله تعالى فكثير قال تعالى ( ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها )[ الأنعام :13] وقوله(ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ) [ هود 118] إلى آيات كثيرة تثبت المشيئة في فعله تبارك وتعالى فلا يتم الأيمان بالقدر إلا أن نؤمن بان مشيئة الله عامة لكل موجود أو معدوم فما من معدوم إلا وقد شاء الله تعالى عدمه وما من موجود إلا وقد شاء الله تعالى وجوده ولا يمكن أن يقع شي في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئة الله تعالى .
الركن الرابع : الخلق آي أن نؤمن بان الله تعالى خالق كل شي فما من موجود في السماوات والأرض إلا والله خالقه حتى الموت يخلقه الله تبارك وتعالى وان كان هو عدم الحياة يقول الله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً) [الملك : 2] فكل شي في السماوات أو في الأرض فان الله تعالى خالقه لا خالق إلا الله تبارك وتعالى وكلنا يعلم أن ما يقع من فعله سبحانه وتعالى بأنه مخلوق له فالسماوات والأرض والجبال والأنهار والشمس والقمر والنجوم والرياح والإنسان والبهائم كلها مخلوقات الله وكذلك لهذه المخلوقات من صفات وتقلبات أحوال كلها أيضا مخلوقة لله عز وجل .
مسألة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته ؟
منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته :
طريقتهم إثبات ما أثبته الله لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله r من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل .
التحريف :التحريف لغة : التغيير ، واصطلاحا : تغيير لفظ النص أو معناه .مثال تغيير اللفظ تغيير قوله تعالى : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيما)(النساء: من الاية164) . من رفع الجلالة إلى نصبها فيكون التكليم من موسى لا من الله .
ومثال تغيير المعني : تغيير معني استواء الله على عرشه من العلو والاستقرار
إلى الاستيلاء والملك ؛ لينتفي عنه معني الاستواء الحقيقي .
التعطيل :
التعطيل لغة ً : الترك والتخلية ، واصطلاحا : إنكار ما يجب لله من الأسماء والصفات ، أما كليا كتعطيل الجهمية ، وأما جزئيا كتعطيل الأشعرية الذين لم يثبتوا من صفات الله إلا سبع صفات ، مجموعة في قوله :
حي عليم قدير والكلام له
إرادة وكذاك السمع والبصر
التكييف والتمثيل والفرق بينهما :
التكييف إثبات كيفية الصفة كان يقول : استواء الله على عرشه كيفيته كذا وكذا ، والتمثيل إثبات مماثل للشيء كان يقول : يد الله مثل يد الإنسان .
والفرق بينهما أن التمثيل ذكر الصفة مقيدة بمماثل ، والتكييف ذكرها غير مقيدة به .
حكم هذه الأربعة المتقدمة :
كلها حرام ومنها ما هو كفر أو شرك،ومن ثم كان أهل السنة والجماعة متبرئين من جميعها .
الواجب في نصوص الأسماء والصفات :
الواجب إجراؤها على ظاهرها وإثبات حقيقتها لله على الوجه اللائق به ؛ وذلك لوجهين :
1. إن صرفها عن ظاهرها مخالف لطريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
2. أن صرفها إلى المجاز قول على الله بلا علم وهو حرام .
أسماء الله وصفاته توقيفية ، وهي من المحكم من وجه ومن المتشابه من وجه .
أسماء الله وصفاته توقيفية ، والتوقيفي ما توقف إثباته أو نفيه على الكتاب والسنة ، بحيث لا يجوز إثباته ولا نفيه ألا بدليل منهما،فليس للعقل في ذلك مجال لأنه شيء وراء ذلك.
وأسماء الله وصفاته من المحكم في معناها ؛ فان معناها معلوم ، ومن المتشابه في حقيقتها ؛ لان حقائقها لا يعلمها إلا الله . والمحكم ما كان واضحا وعكسه المتشابه .
أسماء الله تعالى غير محصورة : أسماء الله غير محصورة بعدد معين ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء المأثور ( أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحد من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك )
(حديث ابن مسعود في السلسلة الصحيحة )أن النبي r قال : ما أصاب عبداً همٌ ولا حزنٌ فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكلِ اسمٌ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدٌ من خلقك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبي ونورَ بصري وجلاء حزني وذهاب همِّي إلا أذهب الله همَّه وأبدله مكانه فرجاً .
وما استأثر الله بعلمه فلا سبيل إلى حصره والإحاطة به . والجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ). الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة أن معني هذا الحديث : إن من أسماء الله تسعة وتسعين اختصت بان من أحصاها دخل الجنة ، فلا ينافي أن يكون له أسماء أخرى غيرها ، ونظير ذلك أن تقول : عندي خمسون درعا أعددتها للجهاد ، فلا ينافي أن يكون عندك دروع أخرى. ومعني إحصاء أسماء الله أن يعرف لفظها ومعناها ، ويتعبد لله مقتضاها. كيف يتم الإيمان بأسماء الله ؟ :
إذا كان الاسم متعديا فتمام الإيمان به إثبات الاسم وإثبات الصفة التي تضمنها ، وإثبات الأثر الذي يترتب عليه ، مثل : ( الرحيم ) فتثبت الاسم وهو الرحيم ، والصفة وهي الرحمة ، والأثر وهو انه سبحانه يرحم بهذه الرحمة .
وان كان الاسم لازما فتمام الإيمان به إثباته وإثبات الصفة التي تضمنها ، مثل : ( الحي) تثبت الاسم وهو الحي والصفة وهي الحياة . وعلى هذا فكل اسم متضمن لصفة ولا عكس .
مسألة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة في أنواع صفات الله تعالى باعتبار الثبوت وعدمه ؟
منهج أهل السنة والجماعة في أنواع صفات الله تعالى باعتبار الثبوت وعدمه:
تنقسم إلى قسمين : ثبوتيه وهي التي أثبتها الله لنفسه ، كالحياة والعلم ، وسلبية وهي التي نفاها الله عن نفسه ، كالإعياء والظلم .
والصفة السلبية يجب الإيمان بما دلت عليه من نفي وإثبات ضده ، فقوله تعالى:( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحدا)(الكهف: من الاية49). يجب الإيمان بانتفاء الظلم عن الله وثبوت ضده وهو العدل الذي لا ظلم فيه.
مسألة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة في أنواع صفات الله تعالى باعتبار الدوام والحدوث ؟
* منهج أهل السنة والجماعة في أنواع صفات الله تعالى باعتبار الدوام والحدوث:
تنقسم إلى قسمين : صفات دائمة لم يزل ولا يزال متصفا بها ، كالعلم والقدرة ، وتسمي صفات ذاتية ، وصفات تتعلق بالمشيئة إن شاء فعلها وان شاء لم يفعلها ، كنزوله إلى السماء الدنيا ، وتسمي صفات فعلية .
وربما تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين ، كالكلام ، فانه بالنظر إلى أصله صفة ذاتية، لان الله لم يزل ولا يزال متكلما ، وباعتبار احاده وأفراده التي يتكلم بها شيئا فشيئا صفة فعلية لا نه يتعلق بمشيئته .
الإلحاد :
الإلحاد لغة ً: الميل ، واصطلاحا الميل عما يجب اعتقاده أو عمله ، ويكون في أسماء الله لقوله تعالى : ( وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسْمَائِهِ )(الأعراف: من الاية180) ويكون في آيات الله لقوله تعالى : (ان الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ايَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا )(فصلت: من الاية40) .
وأنواع الإلحاد في أسماء الله أربعة :
1. أن ينكر شيئا منها أو من ما تضمنته من الصفات كما فعل الجهمية .
2. أن يسمي الله بما لم يسمي به نفسه ،كما سماه النصارى أبا .
3. أن يعتقد دلالتها على مماثلة الله لخلقه كما فعل المشتبه .
4. أن يشتق منها أسماء للأصنام كاشتقاق المشركين العُزي من العزيز .
وأما الإلحاد في آيات الله نوعان :
1. الإلحاد في الآيات الكونية التي هي المخلوقات ، وهو إنكار انفراد الله بها ، بان يعتقد إن أحدا انفرد بها أو ببعضها دونه ، وان معه مشاركا في الخلق أو معينا .
2. الإلحاد في الآيات الشرعية التي هي الوحي النازل على الأنبياء ، وهو تحريفها أو تكذيبها أو مخالفتها .
مسألة ماهي طريقة القرآن والسنة في صفات الله من حيث الإجمال والتفصيل ؟
طريقة القرآن والسنة في صفات الله من حيث الإجمال والتفصيل :
طريقة القرآن والسنة هي الإجمال في النفي والتفصيل في الإثبات غالبا لان الإجمال في النفي أكمل وأعم من التنزيه من التفصيل ، والتفصيل في الإثبات أبلغ وأكثر في المدح من الإجمال ؛ ولذلك تجد الصفات الثبوتية كثيرة في الكتاب والسنة كالسميع والبصير ، والعليم والقدير ، والغفور والرحيم .... الخ .
أما الصفات السلبية فهي قليلة مثل : نفي الظلم ، والتعب والغفلة ، والولادة ، والمماثل والند والمكافئ .
مسألة : تضمنت سورة الإخلاص عدة من أسماء الله تعالى وصفاته، اذكرها ؟
وفيها من أسماء الله : (الله) (الأحد) (الصمد). ف (الله) هو المألوه المعبود حبا وتعظيما و (الأحد )هو المنفرد عن كل شريك ومماثل و(الصمد ) الكامل في صفاته الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته . وفيها من صفات الله ما تضمنته الأسماء السابقة :
1. الألوهية 2. الأحادية
3.الصمدية 4. نفي الولد منه ، لأنه غني عن الولد ولا مثيل له .
5. نفي أن يكون مولودا ، لأنه خالق كل شيء وهو الأول الذي ليس قبله شيء .
6. نفي المكافئ له وهو المماثل له في الصفات ؛ لان الله ليس كمثله شيء لكمال صفاته .
مسألة : لماذا سميت سورة الإخلاص بهذا الاسم ، ولماذا تعدلُ ثلث القرآن ؟
سورة الإخلاص :
هي:(قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد*اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحد) (الاخلاص1:4) . وسميت به ؛ لان الله أخلصها لنفسه ، فلم يذكر فيها إلا ما يتعلق بأسمائه وصفاته ، ولأنها تخلص قارئها من الشرك والتعطيل .
وسبب نزولها أن المشركين قالوا للنبي r: انسب لنا ربك من أي شيء هو . وصح عن النبي r أنها تعدل ثلث القرآن.
(حديث أبي سعيدٍ الخدري في صحيح البخاري) أن النبي r قال : { قل هو الله أحد } تعدل ثلث القرآن
وذلك لان القرآن يتضمن الأخبار عن الله ، والأخبار عن مخلوقاته ، والأحكام وهي الأوامر والنواهي ، وسورة الإخلاص تضمنت النوع الأول وهو الإخبار عن الله ،
مسألة : تضمنت آية الكرسي بعض أسماء الله تعالى ، اذكرها ؟
ت(الله) وتقدم معناه (الحي ) ( القيوم ) ( العلي ) ( العظيم ) .
فالحي : ذو الحياة الكاملة المتضمنة لأكمل الصفات التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها زوال .
القيوم: هو القائم بنفسه القائم على غيره ، فهو غني عن كل شيء وكل شيء محتاج إليه .
والعلي : هو العالي بذاته فوق كل شيء ، العالي بصفاته كمالا فلا يلحقه عيب ولا نقص .
والعظيم:ذو العظمة وهي الجلال والكبرياء .ضمنت آية الكرسي بعض أسماء الله تعالى هي :
مسألة : تضمنت آية الكرسي بعض صفات الله تعالى ، اذكرها ؟
وتضمنت من صفات الله خمس صفات تضمنتها الأسماء السابقة :
6. انفراد الله بالألوهية .
7. نفي النوم والسنة وهي النعاس عنه لكمال حياته وقيوميته .
8. انفراده بالملك الشامل لكل شيء : ( لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ) .
9. كمال عظمته وسلطانه حيث لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه .
10. كمال علمه وشموله لكل شيء:(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ ايْدِيهِمْ).وهو الحاضر والمستقبل (وَمَا خَلْفَهُم) وهو الماضي .
11. المشيئة .
12. كمال قدرته بعظم مخلوقاته (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاواتِ وَالأرض) .
13. كمال علمه وقدرته وحفظه ورحمته من قوله :(وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا) أي لا يثقله ولا يعجزه .
مسألة : ما هي آية الكرسي ولماذا سميت بهذا الاسم ، وما هو فضلها ؟
آية الكرسي هي قوله تعالى : (اللّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لّهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مّنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255) .
وسميت آية الكرسي لذكر الكرسي فيها ، وهي اعظم آية في كتاب الله ، من قراها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه الشيطان حتي يصبح .
(حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم ) قال ، قال رسول الله r يا أبا المنذر أتدري أيُ آيةٍ من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم . قال فضرب في صدري وقال ليهنك العلم يا أبا المنذر .
(حديث أبي أمامة في صحيح الجامع ) أن النبي r قال من قرأ آية الكرسي دبر كل
مسألة : من أسماء الله تعالى : الْأولُ وَالآخر وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ فما معناها ؟
قال تعالي : (هُوَ الْأولُ وَالآخر وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد:3) .
هذه الأسماء الأربعة فسرها النبي r بأن (الأول) الذي ليس قبله شيء و(الآخر) الذي ليس بعده شيء و(الظاهر) الذي ليس فوقه شيء و(الباطن) الذي ليس دونه شيء.وقوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) أي محيط علمه بكل شيء جملة ً وتفصيلا .
مسألة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة في الجمع بين أزلية الله تعالى وأبديته؟
منهجهم هو الجمع بين أزلية الله تعالى وأبديته
الدليل قوله تعالى: (هُوَ الأوّلُ وَالاَخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة: الحديد - الآية: 3]
الشاهد قوله تعالى [هُوَ الأوّلُ وَالاَخِرُ] فيه جمع بين أزلية الله تعالى وأبديته ، وفي قوله تعالى [وَالظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ] جمع بين علوه وقربه .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) كان رسول الله r يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا أن نقول : اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر .
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في سُلم الوصول :
كـذا له العـلو والفوقية |
|
على عبـادِه بلا كيفيـــــة |
فإنه العليُ في دِنـــوه |
|
وهو القريبُ جلَّ في عُلـــُوه |
مسألة : استدل من الكتاب والسنة على إثبات صفة الحياة لله تعالى ؟
قوله تعالى : (اللّهُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ) (البقرة:255) .
الشاهد قوله تعالى [الْحَيّ ] : أي ذو الحياة الكاملة التي لم تُسبق بعدم ولا تُلحق بزوال .
(حديث أنس في صحيح السنن الأربعة) قال سمع النبي r رجلاً يقول :اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى .
مسألة : من صفات الله تعالى الحكمة، اشرح ذلك ؟
الحكمة ومعني الحكيم :
الحكمة : هي وضع الأشياء في مواضعها على وجه متقن ، ودليل اتصاف الله بها قوله : ( وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(التحريم: من الاية2).
وللحكيم معنيان : أحدهما : أن يكون بمعني ذي الحكمة ، فلا يأمر بشيء ولا يخلق شيئا إلا لحكمة ، ولا ينهي عن شيء إلا لحكمة .
والثاني : أن يكون بمعني الحاكم الذي يحكم بما أراد ولا معقب لحكمه .
أنواع حكمة الله :
حكمة الله نوعان : شرعية وكونية .
فالشرعية محلها الشرع وهو ما جاءت به الرسل من الوحي؛ فكله في غاية الإتقان والمصلحة.
والكونية محلها الكون أي مخلوقات الله ، فكل ما خلقه الله فهو في غاية الإتقان والمصلحة .
أنواع حُكم الله :
حكم الله نوعان : كوني وشرعي .
فالكوني ما يقضي به الله تقديرا وخلقا ، ودليله قوله تعالى عن أحد إخوة يوسف: (فَلَنْ ابْرَحَ الأرض حَتَّى يَأذَنَ لِي أبِي أو يَحْكُمَ اللَّهُ لِي )(يوسف: من الاية80) .
والشرعي ما يقضي به الله شرعا ، ودليله قوله تعالى : ( ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(الممتحنة: من الاية10) .
مسألة : استدل على إثبات إحاطة علم الله تعالى بجميع المخلوقات ؟
علم الله :
العلم إدراك الشيء على حقيقته ، وعلم الله تعالى كامل محيط بكل شيء جملة ً وتفصيلا . فمن أدلة العلم الجملي قوله تعالى : (وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( النساء :176) . ومن أدلة العلم التفصيلي قوله تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا الَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ الَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ الَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59) .
الشاهد قوله تعالى [وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ] لأنه ما من شيءٍ إلا رَطْبٍ أو يَابِسٍ .
ومن أدلة علم الله بأحوال خلقه قوله تعالى : ( وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(البقرة: من الاية283) . (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرض الَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6) .
مفاتح الغيب :
مفاتح الغيب خزائنه ومفاتيحه ، وهي المذكورة في قوله تعالى: (إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنّ اللّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34) . والخبير هو العليم ببواطن الأمور .
مسألة : استدل على صفات الرزَّاق والقوة والمتانة ؟
الرَّزَّاقُ:
الرزق إعطاء المرزوق ما ينفعه ، ودليله قوله تعالى : (إن اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:58) . (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرض إلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا )(هود: من الاية6) .
وهو نوعان عام وخاص .فالعام ما يقوم به البدن من طعام وغيره ، وهو شامل لكل مخلوق والخاص ما يصلح به القلب من الإيمان والعلم والعمل الصالح .
قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي في سُلم الوصول :
وكلُ شيءٍ رِزْقُه عليـه |
|
وكلٌ مفتقرٌ إليــــــه |
مسألة : ما معنى ذُو الْقُوَّةِ ؟
ذُو الْقُوَّةِ : أي صاحب القوة التامة التي لا يعتريها ضعف .
القوة هي التمكن الفعل بلا ضعف ، ودليلها قوله تعالى : (إن اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:58) . والمتين الشديد القوة ، والفرق بينها وبين القدرة إنها أخص من القدرة من وجه واعم من وجه ، فهي بالنسبة للقادر ذي الشعور أخص؛ لأنها قدرة وزيادة .
مسألة : من صفات الله تعالى القدرة ، اشرح ذلك ؟
القدرة :
هي التمكن من الفعل بلا عجز، وقدرة الله شاملة كل شيء، ودليلها قوله تعالى:( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(البقرة: من الاية284) .
وهي بالنسبة لعموم مكانها اعم ، لأنها يوصف بها ذو الشعور وغيره ، فيقال للحديد مثلا : قوي ولا يقال له قادر .
مسألة : استدل على إثبات صفتي السمع والبصر لله تعالى ؟
الدليل قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة: الشورى - الآية: 11]
(حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي r قال : إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً إنما تدعون سميعاً بصيراً .
مسألة : السمع من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
سمع الله تعالى من الصفات الثابتة له حقيقة ً على الوجه اللائق به ، ودليله : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(البقرة: من الاية137). وينقسم على قسمين:
الأول : بمعني الإجابة ، وهذا من الصفات الفعلية ، ومثاله قوله تعالى :(ان رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)(إبراهيم: من الاية39) .
والثاني : بمعني إدراك المسموع ، وهذا من الصفات الذاتية ، مثال قوله تعالى :(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)(المجادلة: من الاية1) .
وهذا القسم قد يراد به أيضا النصر والتأييد كقوله تعالى لموسى وهارون:(إنِي مَعَكُمَا اسْمَعُ وَارَى) (طـه: من الاية46).وقد يراد به أيضا التهديد كقوله تعالى : (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا ان اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أغنياء)(آل عمران: من الاية181). وقوله تعالى :(أم يَحْسَبُونَ إنا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى)(الزخرف: من الاية80) .
مسألة : الرؤية :من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
الرؤية صفة من صفات الله الذاتية الثابتة له حقيقة ً على الوجه اللائق به ، وتنقسم إلى قسمين : أحدهما بمعني البصر وهو إدراك المرئيات والمبصرات ، ودليلها قوله تعالى : (إِنَّنِي مَعَكُمَا اسْمَعُ وَارَى)(طـه: من الاية46). وقوله تعالى :( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى: من الاية11) .
القسم الثاني : الرؤية بمعني العلم ، ودليلها قوله تعالى:(إنهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا *وَنَرَاهُ قَرِيبا) (المعارج:6 - 7) . أي نعلمه .
والقسم الأول من الرؤية قد يراد به أيضا النصر والتأييد مثل قوله تعالى : (لا تَخَافَا إنني مَعَكُمَا اسْمَعُ وَارَى)(طـه: من الاية46). وقد يراد به أيضا التهديد كقوله تعالى :(الَمْ يَعْلَمْ بِان اللَّهَ يَرَى) (العلق:14) .
مسألة : العين : من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
إن عيني الله من صفاته الذاتية الثابتة له حقيقة ً على الوجه اللائق به ، ينظر بهما ويبصر ويري ، ودليل ذلك قوله تعالى :( وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)(طـه: من الاية39). (تَجْرِي بأعيننا )(القمر: من الاية14). ولا يجوز تفسيرهما بالعلم ولا بالرؤية مع نفي العين ، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل .
مسألة : اذكر الدليل على إثبات العينان لله تعالى ؟
الدليل قوله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ فَإِنّكَ بِأَعْيُنِنَا) [سورة: الطور - الآية: 48]
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي r قال : ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور و إن ربكم ليس بأعور ، وإن بين عينيه مكتوب كافر .
وجه الدلالة : أن ذكر العَوَر لا يكون إلا لمن له عينان .
مسألة : ماذا تقول في صيغة الجمع في قوله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ فَإِنّكَ بِأَعْيُنِنَا) ؟
الجمع هنا للتعظيم .
مسألة : الوجه من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
الوجه صفة من صفات الله الذاتية الثابتة له حقيقة ً على الوجه اللائق به ، ودليله قوله تعالى :(وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والإكرام) (الرحمن:27) . والجلال العظمة ، والإكرام إعطاء الطائعين ما اعد لهم من الكرامة . ولا يجوز تفسير الوجه بالثواب ، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل .
(حديث ابن عباس في صحيح أبي داود) أن النبي r قال : من استعاذ بالله فأعيذوه و من سألكم بوجه الله فأعطوه .
مسألة : اليد ين من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
إن يدي الله من صفاته الذاتية الثابتة له حقيقة ً على الوجه اللائق به ، يبسطها كيف يشاء ويقبض بهما ما شاء ، ودليلهما قوله تعالى : ( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان)(المائدة: من الاية6). و( مَا مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ)(ص / الآية75).
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : قال الله عز و جل : أنفق يا ابن آدم أنفق عليك ، وقال : يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل و النهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات و الأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يده و كان عرشه على الماء و بيده الميزان يخفض و يرفع .
[لا يغيضها] : أي لا ينقصها
(حديث ابن عمر في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن و كلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما ولوا .
مسألة : اذكر الدليل على أن الله تعالى كلتا يديه يمين ؟
(حديث ابن عمر في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن و كلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم و أهليهم و ما ولوا .
الشاهد قوله r : [و كلتا يديه يمين]
مسألة : هل لله تعالى أصابع ؟
لله تعالى أصابع تليق بذاته المقدسة لا كأصابع المخلوقين ليس كمثله شيءٍ وهو السميع البصير .
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن يصرفه حيث شاء ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم " اللّهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك " .
{تنبيه} : ولا يجوز تفسير اليدين بالقوة ، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل . وفي السياق ما يمنعه وهو التثنية ؛ لان القوة لا يوصف الله بها بصيغة التثنية .
مسألة : ما معنى مشيئة الله تعالى ؟
مشيئة الله هي إرادته الكونية ، وهي عامة لكل شيء من أفعاله وأفعال عباده ، والدليل قوله تعالى في أفعال الله : قال تعالى: (وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا) [سورة: السجدة - الآية: 13] . والدليل في أفعال العبد قوله تعالى : ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوه)(الأنعام: من الاية137) .
إرادة الله وأقسامها :
إرادة الله صفة من صفاته ، وتنقسم إلى قسمين :
كونية : وهي التي بمعني المشيئة .
وشرعية: وهي التي بمعني المحبة .فدليل الكونية قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام )(الأنعام: من الاية125) . ودليل الشرعية قوله تعالى : (وَاللَّهُ يُرِيدُ ان يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (النساء:27) .
الفرق بين الإرادة الكونية والشرعية :
الفرق بينهما إن الكونية لا بد فيها من وقوع المراد ، وقد يكون المراد فيها محبوبا إلى الله ، وقد يكون غير محبوب ، وأما الشرعية فلا يلزم فيها وقوع المراد ، ولا يكون المراد فيها إلا محبوبا لله .
مسألة : هل إيمان أبو بكرٍ الصديق إرادة كونية أم شرعية ؟
إيمان أبو بكرٍ الصديق إرادة كونية و شرعية ،
[إرادة كونية] لأن إيمانه وقع
[إرادة شرعية] أنه يوافق الكتاب والسنة
مسألة : هل كفر أبي طالب إرادة كونية أم شرعية ؟
كفر أبي طالب إرادة كونية لأنه وقع وإن كان ذلك لا يحبه الله تعالى لأنه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر .
مسألة : محبة الله من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
محبة الله صفة من صفاته الفعلية ، ودليلها قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(المائدة: من الاية54).
قال تعالى: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 195]
وقال تعالى: (إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ) [سورة: التوبة - الآية: 4]
وقوله تعالى : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) (البروج:14) . والود خالص المحبة
(حديث أبي هريرة في صحيح ا لبخاري ) أن النبي r قال : قال الله تعالى : من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله ترددي عن نفسِ المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساء ته .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : إذا أحب الله عبدا نادى جبريل : إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض .
(حديث قتادة بن النعمان في صحيح الترمذي) أن النبي r قال : إذا أحب الله عبدا حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء .
{تنبيه] ولا يجوز تفسير المحبة بالثواب ؛ لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل .
مسألة : المغفرة والرحمة من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
المغفرة والرحمة :
الدليل على ثبوت صفة المغفرة والرحمة لله قوله تعالى:( وَكَان اللَّهُ غَفُورا رَحِيما)(النساء: من الاية96) . والمغفرة ستر الذنب والتجاوز عنه .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق عرشه : إن رحمتي سبقت غضبي .
(حديث أنس في صحيح الترمذي ) أن النبي r قال : قال الله تعالى : يا ابن آدم ! إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان منك و لا أبالي يا ابن آدم ! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك و لا أبالي يا ابن آدم ! لو أنك أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقُرابها مغفرة .
{تنبيه} :والرحمة صفة تقتضي الإحسان والأنعام ، وتنقسم إلى قسمين : عامة وخاصة .
فالعامة هي الشاملة لكل أحد ودليلها قوله تعالى : ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)(الأعراف: من الاية156). ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْما )(غافر: من الاية7).
والخاصة هي التي تختص بالمؤمنين ، ودليلها قوله تعالى : ( وَكَان بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيما)(الأحزاب: من الاية43) . ولا يصح تفسير الرحمة بالإحسان ؛ لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، ولا دليل عليه .
مسألة : اذكر الدليل على إثبات صفتي الحياء والكرم لله تعالى ؟
(حديث سلمان في صحيحي أبي داود والترمذي) أن النبي r قال : إن ربكم حيي كريم يستحي أن يبسط العبد يديه إليه أن يردهما صفرا .
مسألة : اذكر الدليل على إثبات أن الله تعالى ستير ؟
(حديث يعلى في صحيحي أبي داود والنسائي) أن النبي r قال : إن الله تعالى حيي ستير يحب الحياء و الستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر .
مسألة : الرضا والغضب والسخط والكراهة والمقت والأسف من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
الرضا صفة من صفات الله مقتضاها محبة المرضي عنه والإحسان إليه ، ودليلها قوله تعالى : ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )(المائدة: من الاية119) .
(حديث أنس في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : إن الله تعالى ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها .
{تنبيه} : ولا يجوز تفسير الرضا بالثواب ، والغضب بالانتقام ، والكراهة والمقت بالعقوبة ، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل .
والغضب صفة من صفات الله مقتضاها كراهة المغضوب عليه والانتقام منه ، وقريب منها صفة السخط ، ودليل اتصاف الله بهما قوله تعالى : ( وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ)(النساء: من الاية93). (ذَلِكَ بِأنهُمُ اتَّبَعُوا مَا اسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانهُ )(محمد: من الاية28) .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : لما قضى الله الخلق كتب عنده فوق عرشه : إن رحمتي سبقت غضبي .
والكراهة صفه من صفات الله الفعلية مقتضاها إبعاد المكروه ومعاداته ، والدليل عليها قوله تعالى :( ً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:46) .
(حديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين) أن النبي r قال : إن الله تعالى حرم عليكم : عقوق الأمهات و وأد البنات و منعا و هات و كره لكم : قيل و قال و كثرة السؤال و إضاعة المال .
(حديث أبي هريرة في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : والذي نفسي بيده ما من رجلٍ يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها .
والمقت اشد البغض والبغض قريب من معني الكراهية ودليل المقت قوله تعالى :(كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللَّهِ أن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:3)
والأسف معنيان :
أحدهما : الغضب ، وهذا جائز على الله ، والدليل قوله :( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ) (الزخرف:55) . أي أغضبونا .والثاني : الحزن ، وهذا لا يجوز على الله ، ولا يصح أن يوصف به ؛ لان الحزن صفة نقص والله منزه عن النقص .
مسألة : المجيء والإتيان : من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
المجيء والإتيان من صفات الله الفعلية ، وهما ثابتتان لله على الوجه اللائق به ، ودليلهما قوله تعالى : (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّا صَفّا) (الفجر:22) . وقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ الَّا أن يَأتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ)(البقرة: من الاية210). ولا يصح تفسيرهما بمجيء أو إتيان أمره ، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف ولا دليل عليه . والمراد بقوله تعالى:(أو يأتي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ)(الأنعام:من الاية158).طلوع الشمس من مغربها الذي به تنقطع التوبة كما جاء تفسيره بذلك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
ووجه ذكر المؤلف من أدلة مجيء الله قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا) (الفرقان:25) . مع انه ليس في الآية ذكر المجيء : إن تشقق السماء بالغمام وتنزيل الملائكة إنما يكونان عند مجيء الله للقضاء بين عباده ؛ فيكون من باب الاستدلال بأحد الأمرين على الآخر لما بينهما من التلازم .
مسألة : ما معنى كلاً من المكر والكيد والمِحَال وهل يجوز أن يوصف بها الله تعالى وصفاً مطلقاً ؟
معني هذه الكلمات الثلاثة متقارب وهو: التوصل بالأسباب الخفية إلى الانتقام من العدو.
ولا يجوز وصف الله بها وصفا مطلقا بل مقيدا ؛ لأنه عند الإطلاق تحتمل المدح والذم ، والله سبحانه منزه عن الوصف بما يحتمل الذم ، أما عند التقييد بان يوصف الله بها على وجه تكون مدحا لا يحتمل الذم دالا على علمه وقدرته وقوته ، فهذا جائز ؛ لأنه يدل على كمال الله .
والدليل على اتصاف الله تعالى بهذه الصفات قوله تعالى : (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(الأنفال: 30) . وقوله تعالى:(إنهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدا * وَأكِيدُ كَيْدا) (الطارق:15-16). وقوله تعالى:( وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)(الرعد:من الاية13) . ويكون المكر والكيد والمحال صفة مدح إذا كان لإثبات الحق وإبطال الباطل ، وتكون ذما فيما عدا ذلك .
ولا يجوز أن يشتق من هذه الصفات أسماء الله فيقال : الماكر والكائد ؛ لان أسماء الله الحسنى لا تحتمل بأي وجه ، وهذه عند إطلاقها تحتمل الذم كما سبق .
مسألة : العفو من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
العفو هو المتجاوز عن سيئات الغير ؛ وهو من أسماء الله ، ودليله قوله تعالى:( وَكَان اللَّهُ عَفُوّا غَفُورا)(النساء: من الاية99) .
مسألة : ما هي الصفات السلبية ؟
الصفات السلبية وهي التي نفاها عن نفسه ، وكل صفة سلبية فإنها تتضمن صفة مدح ثبوتية .
ومن نصوص الصفات السلبية : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّا)(مريم: من الاية65) (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحد) (الإخلاص:4) .( فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أندَادا )(البقرة: من الاية22). والسمي والكفء والند معناها متقارب وهو الشبيه والنظير ، ونفي ذلك عن الله يتضمن انتفاء ما ذكر وإثبات كماله حيث لا يشابهه أحد لكماله . ومنها قوله تعالى :(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرا) (الإسراء:111) . فأمر الله بحمده لانتفاء صفات النقص عنه وهي اتخاذ الولد ، ونفيه عن الله يتضمن انتفائه كمال غناه . ونفي الشريك عن الله يتضمن كمال وحدانيته وقدرته ، ونفي الولي عنه من الذل يتضمن كمال عزه وقهره.ونفي الولي هنا لا ينافي إثباته في موضع آخر كقوله تعالى :(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ امَنُوا) (البقرة: من الاية257) . وقوله :(َلا إن أولِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ)(يونس: من الاية62) . لان الولي المنفي هو الوالي الذي سببه الذل ، أما الولي بمعني الولاية فليس بمنفي . ومنها قوله تعالى :(يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض)(الجمعة: من الاية1) . والتسبيح تنزيه الله عن النقص والعيب ، وذلك يتضمن كمال صفاته .
وفي الآية دليل على أن كل شيء يسبح لله تسبيحا حقيقيا بلسان الحال والمقال إلا الكافر ؛ فان تسبيحه بلسان الحال فقط ؛ لأنه يصف الله بلسانه بما لا يليق بالله عز وجل .
ومنها قوله تعالى :( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَان مَعَهُ مِنْ الَهٍ إذا لَذَهَبَ كُلُّ الَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَان اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) (المؤمنون:91) . ففي هذه الآية نفي اتخاذ الولد ونفي تعدد الألهة ، وتنزيه الله عمل وصفه به المشركون ، وهذا يتضمن مع انتفاء ما ذكر كمال الله وانفراده بما هو من خصائصه ، وقد برهن الله على امتناع تعدد الأ لهة ببرهانين عقليين : أحدهما : لو كان معه اله لا نفرد عن الله بما خلق . ومن المعلوم عقلا وحسا إن نظام العالم واحد لا يتصادم ولا يتناقض ، وهو دليل على أن مدبره واحد .
والثاني : لو كان مع الله اله آخر لطلب أن يكون العلو له ، وحينئذٍ أما أن يغلب أحدهما الآخر فيكون هو الإله ، وأما أن يعجز كل منهما عن الآخر فلا يستحق واحد منهما أن يكون إلها ، لأنه عاجز .ومنها قوله تعالى : (قُلْ إنما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَان تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانا وَان تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33) . وهذه المحرمات الخمس أجمعت عليها الشرائع ، وفيها إثبات الحكمة وإثبات الغيرة لأنه حرم هذه الأمور . ومعني قوله :( مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانا ) أي ما لم ينزل به دليلا ، وهو قيد لبيان الواقع ؛ لأنه لا يمكن أن يقوم الدليل على الإشراك بالله ، وعلى هذا فلا مفهوم له .
وفي هذه الآية رد على المشبهة في قوله:(وَان تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانا ) لان المشبهة أشركوا به حيث شبهوه بخلقه .وفيها رد على المعطلة في قوله تعالى : (وَان تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) لان المعطلة قالوا على الله ملا يعلمون ، حيث نفوا صفاته عنه بحجج باطلة ، وهذا هو وجه مناسبة ذكر هذه الآية في العقيدة .
مسألة :اذكر الدليل على إثبات صفة العزة لله تعالى ؟
قال تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزّةَ فَلِلّهِ الْعِزّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة: فاطر - الآية: 10]
و قال تعالى عن إبليس (قَالَ فَبِعِزّتِكَ لاُغْوِيَنّهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة: ص - الآية: 82]
(حديث أبي سعيد في صحيح الجامع) أن النبي r قال : إن الشيطان قال : و عزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب : و عزتي و جلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني .
مسألة : العلو من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
العلو وأقسامه :
العلو : الارتفاع . وأقسام علو الله تعالى ثلاثة :
1. علو الذات ، ومعناه إن الله بذاته فوق خلقه .
2. علو القدر،ومعناه أن الله ذو قدر عظيم لا يساويه فيه أحد من خلقه، ولا يعتريه معه نقص .
3. علو القهر ، ومعناه أن الله تعالى قهر جميع المخلوقات فلا يخرج أحد منهم عن سلطانه وقهره .
وأدلة العلو : الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة ، فمن الكتاب قوله تعالى :(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)(البقرة: من الاية255) . ومن السنة قولهr : ( ربنا الله الذي في السماء) . ولإقراره الجارية حين سألها : ( أين الله ؟ قالت :في السماء ، فلم ينكر عليها ، بل قال لسيدها : اعتقها فإنها مؤمنة ) .
وفي حجة الوداع اشهد النبي r ربه على إقرار أمته بالبلاغ ، وجعل يرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكثها إلى الناس وهو يقول : ( اللهم فاشهد ).
وأما الإجماع على علو الله فهو معلوم بين السلف ولم يُعلم ان أحدا منهم قال بخلافه .
وأما العقل فلان العلو صفة كمال ، والله سبحانه متصف بكل كمال ، فوجب ثبوت العلو له .
وأما الفطرة فان كل إنسان مفطور على الإيمان بعلو الله ، ولذلك إذا دعا ربه وقال : يارب ، لم ينصرف قلبه إلا إلى السماء . والذي أنكره الجهمية من أقسام العلو علو الذات ونرد عليهم بما سبق في الأدلة.
مسألة : استواء الله على عرشه من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
معني استواء الله على عرشه علوه واستقراره عليه ، وقد جاء عن السلف تفسيره بالعلو والاستقرار والصعود والارتفاع ، والصعود والارتفاع يرجعان إلى معني العلو .ودليله قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه:5) . وقد ذكر في سبعة مواضع من القرآن في سورة الأعراف، ويونس ، والرعد ، وطه ، والفرقان ، وتنزيل ، والسجدة ، والحديد . ونرد على من فسره بالاستيلاء والملك بما يأتي:
1. انه خلاف ظاهر النص .
2. انه خلاف ما فسره به السلف .
3.انه يلزم عليه لوازم باطلة .
والعرش لغة ً : سرير الملك الخاص به . وشرعا : ما استوى الله عليه ، وهو من اعظم مخلوقات الله ، بل اعظم ما علمنا منها ، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع بالنسبة إلى الكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض ، وان فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة) . فتبارك الله رب العالمين .
مسألة : المعية من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
المعية والجمع بينها وبين العلو :
المعية لغة ً : المقارنة والمصاحبة . ودليل ثبوت المعية لله قوله تعالى:(وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَ مَا كُنْتُمْ )(الحديد: من الاية4) .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : قال الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني .
{ تنبيه} :وتنقسم إلى قسمين : عامة وخاصة .
فالعامة هي : الشاملة لجميع الخلق كقوله تعالى: :(وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَ مَا كُنْتُمْ ). ومقتضى المعية هنا الإحاطة بالخلق علما وقدرة ً وسلطانا وتدبيرا .
والخاصة هي: التي تختص بالرسل وأتباعهم كقوله تعالى : ( لا تَحْزَنْ إن اللَّهَ مَعَنَا) (التوبة: من الاية40) . وقوله:(إن اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) . وهذه المعية تقتضي مع الإحاطة النصر والتأييد .
والجمع بين المعية والعلو وجهين :
أولا ً : انه لا منافاة بينهما في الواقع ، فقد يجتمعان في شيء واحد ، ولذلك تقول : ما زلنا نسير والقمر معنا مع انه في السماء .
الثاني : انه لو فرض أن بينهما منافاة في حق المخلوق لم يلزم أن يكون بينهما منافاة في حق الخالق ؛ لأنه ليس كمثله شيء وهو بكل شيء محيط .
ولا يصح تفسير معية الله بكونه معنا بذاته في المكان .
أولا : لأنه مستحيل على الله حيث ينافي علوه ، وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها .
ثانيا : انه خلاف ما فسرها به السلف .
ثالثا : انه يلزم على هذا التفسير لوازم باطلة .
معني كون الله في السماء :
معناه على السماء أي فوقها ، ف (في) بمعني ( على ) كما جاءت بهذا المعني في قوله تعالى:(قُلْ سِيرُوا فِي الأرض)(الأنعام: من الاية11). أي عليها ، ويجوز أن تكون (في) للظرفية فالسماء على هذا بمعني العلو ، فيكون المعني إن الله في العلو ، وقد جاء السماء بمعني العلو في قوله تعالى :(انزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاء)(الرعد: من الاية17)
ولا يصح أن تكون (في ) للظرفية إذا كان المراد بالسماء الأجرام المحسوسة ؛ لان ذلك يوهم أن السماء تحيط بالله ، وهذا معني باطل ؛ لان الله اعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته .
مسألة : الكلام من صفات الله تعالى ، اشرح ذلك ؟
قول أهل السنة في كلام الله تعالى :
قول أهل السنة في كلام الله تعالى : انه صفة من صفاته لم يزل ولا يزال يتكلم بكلام حقيقي بصوت لا يشبه أصوات المخلوقين وحروف . يتكلم بما شاء ومتي شاء وكيف شاء ، أدلتهم على ذلك كثيرة منها قوله تعالى :(وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيما)(النساء: من الاية164) . وقوله تعالى : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)(الأعراف: من الاية143) . والدليل على انه بصوت قوله تعالى :(وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانبِ الطُّورِ الْأيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّا) (مريم:52). ومن السنة (حديث أبي سعيد في الصحيحين) أن النبي r يقول الله تعالى : يا آدم ! فيقول : لبيك و سعديك و الخير في يديك فيقول : أخرج بعث النار قال : و ما بعث النار ؟ قال من كل ألف تسعمائة و تسعة و تسعين فعندها يشيب الصغير { و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد } قالوا : يا رسول الله ! و أينا ذلك الواحد ؟ قال : أبشروا فإن منكم رجلا و من يأجوج و مأجوج ألف و الذي نفسي بيده أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود أو كالرقمة في ذراع الحمار .
ودليلهم على انه بحروف قوله تعالى:(وَقُلْنَا يَا ادَمُ اسْكُنْ أنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) (البقرة: من الاية35).فمقول القول هنا حروف .
(حديث عدي ابن حاتم في الصحيحين) أن النبي r قال : ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة .
ودليلهم على انه بمشيئة قوله تعالى:(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف: من الاية143) .فالتكليم حصل بعد مجيء موسى عليه الصلاة والسلام .
وكلام الله صفة ذات باعتبار أصله، فان الله لم يزل ولا يزال قادرا على الكلام متكلما، وصفة فعل باعتبار احاده ، لان آحاد الكلام تتعلق بمشيئته متي شاء تكلم . .
قول أهل السنة في القرآن الكريم :
يقولون:القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدا واليه يعود؛ فدليلهم على انه كلام الله قوله تعالى:(وَان أحد مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )(التوبة:من الاية6). يعني القرآن.ودليلهم على انه منزل قولهم:(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان عَلَى عَبْدِهِ ) (الفرقان:من الاية1) . وقوله تعالى :(وَهَذَا كِتَابٌ أنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155) . والدليل على انه غير مخلوق قوله تعالى :( ألا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ)(الأعراف: من الاية54). فجعل الأمر غير الخلق ، والقرآن من الأمر ؛ لقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ أوحَيْنَا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنَا)(الشورى: من الاية52) . ولأن القرآن من كلام الله ؛ وكلام الله صفة من صفاته ؛ وصفات الله غير مخلوقة .
ومعني (منه بدأ) إن الله تكلم به ابتداءً . ومعني (واليه يعود ) انه يرجع إلى الله في آخر الزمان حيثما يرفع من المصاحف والصدور ؛ تكريما له إذ اتخذه الناس هزوا ولهوا.
السنة :
السنة لغة ً : الطريقة ، وسنة النبي r شريعته من قوله أو فعله أو إقراره خبر كانت أو طلبا .
والإيمان بما جاء فيها واجب كالإيمان بما جاء في القرآن ، سواء في أسماء الله أو صفاته أو في غيرها ؛ لقوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ) (الحشر: من الاية7). وقوله تعالى :(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أطَاعَ اللَّهَ)(النساء: من الاية80).
مسألة : ما هو مذهب الجهمية والأشعرية والكلابية في كلام الله ؟
مذهب الجهمية والأشعرية والكلابية في كلام الله :
مذهب الجهمية في كلام الله انه خلق من مخلوقاته ، لا صفة من صفاته ، وإنما أضاف الله إليه تشريف وتكريم كما أضاف إليه البيت والناقة في قوله:( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ )(الحج: من الاية26). وقوله : (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ )(الأعراف: من الاية73).
ومذهب والأشعرية إن الكلام صفة من صفاته ، لكنه هو المعني القائم بالنفس ، وهذه الحروف مخلوقة لتعبر عنه ، والكلابية يقولون كقول والأشعرية ألا إنهم سموا الألفاظ حكاية لا عبارة ، وعلى مذهبيهما ليس كلام الله تعالي بحرف وصوت وإنما هو المعني القائم بنفسه .
مسألة : ما هو أنواع كلام الله تعالى ؟
كلام الله تعالى نوعين :
[1] كلامٌ بلا واسطة : مثل كلام تعالى للأبوين ومثل كلام تعالى لموسى عليه السلام
[2] ما كان بواسطة إما بوحي للأنبياء وإما بإرساله رسولاً يكلمهم من أمرة بما يشاء
قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنّهُ عَلِيّ حَكِيمٌ) [سورة: الشورى - الآية: 51]
مسألة : اذكر الدليل على إثبات نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا ؟
الدليل على إثبات نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا (حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : ينزل ربنا تبارك و تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له .
ومعني النزول عند أهل السنة انه ينزل بنفسه سبحانه نزولا حقيقيا يليق بجلاله ، ولا يعلم كيفيته ألا هو . ومعناه عند أهل التأويل نزول أمره ، ونرد عليهم بما يأتي :
1. انه خلاف ظاهر النص والإجماع .
2. أن أمر الله ينزل كل وقت وليس خاصا بثلث الليل الأخير .
3.إن الأمر لا يمكن أن يقول : من يدعوني فاستجيب له ... الخ .
ونزوله سبحانه إلى السماء الدنيا لا ينافي علوه ؛ لان الله سبحانه ليس كمثله شيء ، ولا يقاس نزوله بنزول مخلوقاته .
مسألة : لله تعالى ما الدليل على إثبات صفتي الفرح والضحك لله تعالى ؟
الفرح والضحك من صفات الله تعالى : ودليل الفرح (حديث أنس في الصحيحين) أن النبي r قال : لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا سقط عليه بعيره قد أضله بأرض فلاة .
{تنبيه } : وهو فرح حقيقي يليق بالله ولا يصح تفسيره بالثواب ،لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف .
ومنها الضحك ودليله (حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله فيستشهد .
{تنبيه} :وفسره أهل السنة والجماعة بأنه ضحك حقيقي يليق بالله وفسره أهل التأويل بالثواب ، ونرد عليهم بأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف . وصورة المسالة التي في الحديث : أن كافرا يقتل مسلما في الجهاد ، ثم يسلم ذلك الكافر ويموت على الإسلام فيدخلان الجنة كلاهما.
مسألة : من صفات الله تعالى العجب، اشرح ذلك ؟
3 العجب ثابت لله تعالى بالكتاب والسنة ، ففي الكتاب بقوله تعالى : قال تعالى: (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخُرُونَ) [سورة: الصافات - الآية: 12] على قراءة ضم التاء ، وفي السنة (حديث عقبة بن عامر في صحيحي أبي داود والنسائي) أن النبي r قال : يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن للصلاة و يصلي فيقول الله عز و جل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن و يقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي و أدخلته الجنة .
والممتنع على الله من العجب هو ما كان سببه الجهل بسبب المتعجب منه ؛ لان الله لا يخفي عليه شيء، أما العجب الذي سببه خروج السيئ عن نظائره أو عما ينبغي أن يكون عليه فان ذلك ثابت لله .وقد فسره أهل السنة والجماعة انه عجب يليق بالله ، وفسره أهل التأويل بثواب الله أو عقوبته ، ويرد عليهم بأنه خلاف ظاهر النص وإجماع السلف .
مسألة : من صفات الله تعالى القدم ، اشرح ذلك ؟
ومن الصفات الثابتة قدم الله عز وجل والدليل (حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : تحاجت النار و الجنة فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين و المتجبرين و قالت الجنة : فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس و سقطهم ؟ فقال الله عز و جل للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي و قال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي و لكل منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله قدمه عليها فتقول : قطٍ قط فهنالك تمتلئ و ينزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا و أما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا .
{تنبيه} : وفسر أهل السنة والرجل والقدم بأنها حقيقية على الوجه اللائق بالله ، وفسر أهل التأويل الرجل بالطائفة ـ أي الطائفة الذين يضعهم الله في النار ـ والقدم بالمقدمين على النار. ونرد عليهم بان تفسيرهم مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف وليس عليه دليل .
مسألة : من صفات الله تعالى صفة القرب ، اشرح ذلك ؟
قرب الله تعالى وهو دنوه منهم ثابت بالكتاب والسنة ، فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: (وَإذا سَالَكَ عِبَادِي عَنِّي فَاني قَرِيبٌ أجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَان)(البقرة: من الاية186). ومن أدلة السنة (حديث أبي موسى في الصحيحين) أن النبي r قال : إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً إنما تدعون سميعا قريبا )
{تنبيه} : وهو قرب حقيقي يليق بالله تعالى ولا ينافي علوه ؛ لأنه تعالى بكل شيء محيط ، ولا يقاس بخلقه ؛ لأنه ليس كمثله شيء .
مسألة : رؤية العباد لله تعالى ثابتة بالكتاب والسنة، اشرح ذلك ؟
رؤية العباد لله تعالى ثابتة بالكتاب والسنة ؛ فمن أدلة الكتاب قوله تعالى :(لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )(يونس: من الاية26) .فقد فسر النبي r الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى ، ومن أدلة السنة قوله (حديث جرير بن عبد الله في الصحيحين) أن النبي r قال : ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ، فان استطعتم إلا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا )
{تنبيه} : ورؤية الله لا تشمل الكفار لقوله تعالى:(كَلَّا إنهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين:15).
وفسر أهل السنة هذه الرؤية برؤية العين للأدلة آلاتية :
أولا:إن الله أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محل العين فقال:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة : 22-23).
ثانيا : انه جاء في الحديث : ( إنكم سترون ربكم عيانا ). وفسره أهل التأويل برؤية الثواب أي إنكم سترون ثواب ربكم ، ونرد عليهم بأنه خلاف ظاهر اللفظ وإجماع السلف ، وليس عليه دليل .
هذه الأمة وسط بين الأمم في العبادات وغيرها ، ودليل ذلك قوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وَسَطا)(البقرة: من الاية143). وقوله :( كُنْتُمْ خَيْرَ أمة أخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )(آل عمران: من الاية110) .
مثال كونها وسطا في العبادات : ما رفعه الله عن هذه الأمة من الحرج والمشقة اللذين كانا على من قبلهما ، فهذه الأمة اذ1 عدموا الماء تيمموا وصلوا في أي مكان ، بينما الأمم الأخرى لا يصلون إلا في أمكنة معينة . ومثال كونها وسطا في غير العبادات : القصاص في القتل كان مفروضا على اليهود ، وممنوعا عند النصارى ، ومخيرا بينه وبين العفو والدية عند هذه الأمة .
فرق هذه الأمة :
فرق هذه الأمة ثلاثة وسبعون فرقة ، والناجي منها من كان على مثل ما عليه النبي r وأصحابه،وكلها في النار إلا الناجية لقوله r (حديث عوف بن مالك في صحيح ابن ماجة ) أن النبي r قال : افترقت اليهود على إحدى و سبعين فرقة فواحدة في الجنة و سبعون في النار و افترقت النصارى على اثنتين و سبعين فرقة فإحدى و سبعون في النار و واحدة في الجنة و الذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث و سبعين فرقة فواحدة في الجنة و اثنتان و سبعون في النار .
مسألة : أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة في أصول خمسة ما هي ؟
أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة في أصول خمسة :
الأول : أسماء الله وصفاته ، فأهل السنة وسط فيها بين أهل التعطيل وأهل التشبيه ، لان أهل التعطيل ينكرون صفات الله ، وأهل التشبيه يثبتونها مع التشبيه ، وأهل السنة والجماعة يثبتونها بلا تشبيه .
الثاني : القضاء والقدر : فأهل السنة وسط فيه بين الجبرية والقدرية ؛ لان الجبرية يثبتون قضاء الله في أفعال العبد ويقولون : انه مجبر لا قدرة له ولا اختيار. والقدرية ينكرون قضاء الله في أفعال العبد ، ويقولون : إن العبد قادر مختار لا يتعلق فعله بقضاء الله ، وأهل السنة يثبتون قضاء الله في أفعال العبد ويقولون: انه له قدرة واختيارا أودعهما الله فيه متعلقين بقضاء الله .
الثالث: الوعيد بالعذاب ، فأهل السنة وسط فيه بين الوعيدية وبين المرجئة ؛ لان الوعيدية يقولون : فاعل الكبيرة مخلد في النار ؛ والمرجئة يقولون : لا يدخل النار ولا يستحق ذلك ، وأهل السنة يقولون : مستحق لدخول النار دون الخلود فيها.
الرابع : أسماء الإيمان والدين : فأهل السنة وسط فيه بين المرجئة من جهة وبين المعتزلة والحرورية من جهة ؛ لان المرجئة يسمون فاعل الكبيرة مؤمنا كامل الإيمان ، والمعتزلة والحرورية يسمونه غير مؤمن ، لكن المعتزلة يقولون : لا مؤمن ولا كافر في منزلة بين منزلتين ، والحرورية يقولون : انه كافر ، وأهل السنة يقولون : انه مؤمن ناقص الإيمان .
الخامس:أصحاب النبي r فأهل السنة وسط فيه بين الروافض والخوارج ؛ لان الروافض بالغوا في حبِّ آل النبي r وغلوا فيهم حتى أنزلوهم فوق منزلتهم ، والخوارج يبغضونهم ويسبونهم ، وأهل السنة يحبون الصحابة جميعهم ، وينزلون كل واحد منزلته التي يستحقها من غير غلو ولا تقصير .
مسألة : ما هي أشهر طوائف المبتدعة ؟
أولا الجهمية : وهم أتباع الجهم بن صفوان الذي اخذ التعطيل عن الجعد بن درهم ، وقتل في خراسان سنة 128هـ ، ومذهبهم في الصفات إنكار صفات الله ، وغلاتهم ينكرون حتى الأسماء ، ولذلك سموا بالمعطلة . ومذهبهم في أفعال العباد أن العبد مجبور على عمله ليس له قدرة ولا اختيار ، ومن ثم سموا جبرية .
ومذهبهم في الوعيد وأسماء الإيمان والدين أن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يدخل النار ، ولذلك سموا مرجئة فهم أهل الجيمات الثلاث تجهم وجبر وإرجاء .
ثانيا المعتزلة : وهم أتباع واصل ابن عطاء الذي اعتزل مجلس الحسن البصري حين كان الحسن يقرر أن فاعل الكبيرة مؤمن ناقص الإيمان ، فاعتزله واصل وجعل يقرر أن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين .
ومذهبهم في الصفات : إنكار صفات الله كالجهمية ، ومذهبهم في أفعال العباد إن العبد مستقل بفعله يفعل بإرادة وقدرة مستقلا عن قضاء الله وقدره عكس الجهمية ؛ ولذلك سموا قدرية . ومذهبهم في الوعيد إن فاعل الكبيرة مخلد في النار عكس الجهمية القائلين إن فاعل الكبيرة لا يدخل النار ، ولذلك سموا الوعيدية . ومذهبهم في أسماء الإيمان والدين أن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين ليس مؤمنا ولا كافرا ، عكس الجهمية القائلين بأنه مؤمن كامل الإيمان ، ولذلك سموا أصحاب المنزلة بين منزلتين .
ثالثا : الخوارج : سموا بذلك لخروجهم على أمام المسلمين ، ويقال لهم : الحرورية نسبة إلى حروراء موضع بالعراق قرب الكوفة خرجوا فيه على علي بن أبى طالب رضي الله عنه . كانوا من اشد الناس تدينا في الظاهر حتى قال فيهم النبي r لأصحابه: ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرءان لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ؛ فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ؛ فان في قتلهم أجرا لمن قتلهم إلى يوم القيامة)
(حديث علي بن أبي طالب في الصحيحين) أن النبي r سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة .
ومذهبهم في الوعيد إن فاعل الكبيرة مخلد في النار كافر يحل دمه وماله ، ومن ثم استباحوا الخروج على الأئمة إذا فسقوا .
رابعا: الروافض: ويقال لهم الشيعة الذين يغلون في آل بيت النبي r ويفضلون على ابن أبى طالب رضي الله عنه على جميع الصحابة ، ومنهم من يفضله على النبي r ، ومنهم من يجعله ربا . وسموا شيعة لتشيعهم لآل البيت ، وسموا روافض لأنهم رفضوا زيد ابن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب حين سألوه عن أبى بكر وعمر رضي الله عنهما فاثني عليهما ، وقال هما وزيرا جدي يعني النبي صلى الله عليه وسلم فانصرفوا عنه ورفضوه .
مسألة : ما المقصود بالإيمان باليوم الآخر ؟
اليوم الآخر يوم القيامة ، ويدخل في الإيمان به كل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ، كفتنة القبر وعذابه ونعيمه وغير ذلك . والإيمان به واجب ، ومنزلته من الدين انه أحد أركان الإيمان الستة .
مسألة : ما المراد ب فتنة القبر ؟
فتنة القبر سؤال الملكين الميت عن ربه ودينه ونبيه ، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ، فيقول المؤمن : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبي محمد ، وأما المرتاب أو الكافر فيقول: هاه هاه لا ادري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته .
والفتنة عامة لكل ميت إلا الشهيد ومن مات مرابطا في سبيل الله ، وكذلك الرسل لا يسألون لأنهم المسئول عنهم . واختلف في غير المكلف كالصغير ، فقيل : يسال ، لعموم الأدلة ؛ وقيل: لا ، لعدم تكليفه .واسم الملكين منكر ونكير .
(حديث البراء في الصحيحين) أن النبي r قال : العبد إذا سُئل في قبره يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد ورسوله فذلك قوله ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) .
(حديث أنس في الصحيحين) أن النبي r قال : إن العبد إذا وضع في قبره و تولى عنه أصحابه حتى أنه يسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ لمحمد فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله و رسوله فيقال : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيراهما جميعا; و أما المنافق و الكافر فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال له : لا دريت و لا تليت ثم يضرب بمطارق من حديد ضربةً فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين .
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي r قال : إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر و للآخر النكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : ما كان يقول هو : عبد الله و رسوله أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال : نم فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك و إن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدري فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض : التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .
مسألة : ما هو قول أهل السنة في نعيم القبر وعذابه ؟
قول أهل السنة في نعيم القبر وعذابه :
قولهم فيه انه حق ثابت لقوله تعالى :(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّا وَعَشِيّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ اشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46) . وقوله في المؤمنين :(إن الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ألا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَابْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30) ولقوله صلى الله عليه وسلم في الكافر حين يسال في قبره فيجيب: (فينادي منادي من السماء أن كذب عبدي فافرشوه من النار وافتحوا له بابا إلي النار) وقوله في المؤمن إذا سئل في قبره فأجاب : (فينادي منادي من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وافتحوا له بابا من الجنة ).
والعذاب أو النعيم على الروح فقط ، وقد تتصل بالبدن أحيانا . والعذاب على الكافرين مستمر أما على المؤمنين فبحسب ذنوبهم . والنعيم للمؤمنين خاصة والظاهر استمراره .
الجواب على ما ثبت عن توسيع قبر المؤمن وتضيقه على الكافر مع انه لو فتح لوجد بحاله: الجواب من وجهين :
الأول : إن ما ثبت في الكتاب والسنة وجب تصديقه والإيمان به سواء أدركته عقولنا وحواسنا أم لا ، لأنه لا يعارض الشرع بالعقل لا سيما في الأمور التي لا مجال للعقل فيها .
الثاني : إن أحوال القبر من أمور الآخرة التي اقتضت حكمة الله أن يحجبها عن حواس الخلق وعقولهم امتحانا لهم ، ولا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا ؛ لتباين ما بين الدنيا والآخرة .
(حديث أبي هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي r قال : إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر و للآخر النكير فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : ما كان يقول هو : عبد الله و رسوله أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمد عبده و رسوله فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ثم ينور له فيه ثم يقال : نم فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك و إن كان منافقا قال : سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله لا أدري فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض : التئمي عليه فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك .
مسألة ؟ ما هي أنواع القيامة ؟
القيامة صغري كالموت ، فكل من مات فقد قامت قيامته، وكبري وهي المقصودة هنا، وهي قيام الناس بعد البعث للحساب والجزاء . وسميت بذلك لقيام الناس فيها ، وقيام العدل ، وقيام الأشهاد .ودليل ثبوتها من الكتاب والسنة والإجماع .فمن أدلة الكتاب قوله تعالي:(ألا يَظُنُّ أولَئِكَ أنهُمْ مَبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يوم َ يقُوم النَاسُ لربِ العالًمِين) (المطففين:4-6) . ومن أدلة السنة (حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي r قال : تحشرون حفاة عراة غرلا. قالت عائشة : الرجال والنساءُ ينظرُ بعضهم إلى بعض فقال : الأمرُ أشذُ من أن يهمهم ذلك .
وأما الإجماع فقد اجمع المسلمون وجميع أهل الأديان السماوية على إثبات يوم القيامة، فمن أنكره أو شك فيه فهو كافر . وللقيامة علامات تسمي الأشراط كخروج الدجال ويأجوج ومأجوح ، وطلوع الشمس من مغربها . وجعلت لها هذه الأشراط ؛ لأنها يوم عظيم وهام فكان لها تلك المقدمات .
يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا غير مختونين ؛ لقوله تعالى :(كَمَا بَدَأنا أولَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )(الأنبياء: من الاية104).
(حديث عائشة في الصحيحين) أن النبي r قال : تحشرون حفاة عراة غرلا. قالت عائشة : الرجال والنساءُ ينظرُ بعضهم إلى بعض فقال : الأمرُ أشذُ من أن يهمهم ذلك .
مسألة : اذكر الدليل على دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين ؟
تدنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين ، فيعرق الناس بقدر أعمالهم ، منهم من يصل عرقه إلى كعبيه ، ومنهم من يلجمه ، ومنهم من بين ذلك ، ومن الناس من يسلم من الشمس ، فيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، مثل الشاب إذا نشا في طاعة الله ، والرجل المعلق قلبه بالمساجد .
(حديث المقداد ب الأسود في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : تدنوا الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه و منهم من يكون إلى ركبتيه و منهم من يكون إلى حقويه و منهم من يلجمه العرق إلجاما ، وأشار إلى فيه .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا يلجمهم حتى يبلغ آذانهم .
مسألة : ما هو الموازين، وهل الميزان هو حقيقي ؟
الموازين ـ جمع ميزان ـ يضعها الله لتوزن فيها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون. والميزان حقيقي له كفتان خلافا للمعتزلة القائلين بأنه العدل لا ميزان حقيقي .
قال تعالى: (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفّتْ مَوَازِينُهُ فأُوْلَـَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوَاْ أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنّمَ خَالِدُونَ) [المؤمنون : 103 ، 104]
(حديث أنس في صحيح الترمذي) قال : سألت النبي r أن يشفع لي يوم القيامة فقال :[ أنا فاعل] قلت يا رسول الله فأين أطلبك ؟ قال : اطلبني أولُ ما تطلبني عند الصراط . قلت فإن لم ألقك عند الصراط ؟ قال : فاطلبني عند الميزان . قلت فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال : فاطلبني عند الحوض فإني لا أُخطئ هذه الثلاث المواطن .
مسألة : هل هو ميزانٌ واحد أم موازين ؟
قد ذُكر الميزان في القرآن مجموعا وفي السنة مجموعا ومفردا ، فقيل : انه ميزان واحد ، وجمع باعتبار الموزون ، وقيل : متعدد بحسب الأمم والإفراد ، وافرد باعتبار الجنس .
مسألة : ما الذي يوزن ، هل الأعمال أم صحائف الأعمال أم العامل نفسه ؟
دلت السنة الصحيحة أن الذي يوزن هو [الأعمال و صحائف الأعمال و العامل نفسه
الدليل على أن الأعمال توزن :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم .
الدليل على أن الأعمال توزن :
(حديث عبد الله بن عمرو في صحيحي الترمذي وابن ماجة ) أن النبي r قال : يُصاحُ برجلٍ من أمتي يوم القيامة على رءوس الخلائق فينشر له تسعة و تسعون سجلا كل سجل مد البصر ثم يقول الله تبارك و تعالى : هل تنكر من هذا شيئا ؟ فيقول : لا يا رب فيقول : أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ثم يقول : ألك عذر ألك حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول : لا فيقول : بلى إن لك عندنا حسنة و إنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول : إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة و البطاقة في كفة فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة .
الدليل على أن العامل يوزن :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة . وقال اقرءوا إن شئتم ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً )
مسألة : ماهي الدواوين ، وما معنى نشرُ الدواوين ؟
الدواوين : هي صحائف الأعمال التي كتبتها الملائكة على الإنسان قال الله تعالى: (وَكُلَّ إنسان ألزمناه طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامة كِتَابا يَلْقَاهُ مَنْشُورا*اقْرَأ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبا) (الإسراء:13-14) . فآخذٌ كتابه بيمينه وهو المؤمن ، وآخذٌ كتابه بشماله أو من وراء ظهره لقوله تعالى :(فَأما مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابا يَسِيرا *وَيَنْقَلِبُ إلى أهلهِ مَسْرُورا *وَأما مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * وَيَصْلَى سَعِيرا) (الانشقاق:7-12) . وفي آية أخرى: (وَأما مَنْ أوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أوتَ كِتَابِيَهْ) (الحاقة:25). والجمع بين هذه والتي قبلها أما باختلاف الناس ، وأما بكون الذي يأخذها بشماله تخلع يده من وراء ظهره .
و نشر الدواوين ـ أي فتحها ـ وتوزيعها .
مسألة : ما الذي يكتب في صحائف الأعمال من الحسنات ؟
يكتب في صحائف الأعمال من الحسنات [ ما عمله الإنسان وما همَّ به وما نواه ]
*الدليل على أن ما عمله الإنسان من الحسنات يكتب في صحائف الأعمال :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : قال الله تعالى : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ، وإذا أن يعمل حسنةً فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها من أجلي فاكتبوها بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعف .
*الدليل على أن[ما همَّ به الإنسان من الحسنات ثم منعه مانع ] يكتب في صحائف الأعمال :
(حديث أبي قتادة في الصحيحين) أن النبي r قال : إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له ما كان يعمله وهو صحيحٌ مقيم .
*الدليل على أن[ما نواه الإنسان من الحسنات] يكتب في صحائف الأعمال :
قال تعالى: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً) [سورة: النساء - الأية: 100]
الشاهد قوله تعالى [وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً]
مسألة : ما الذي يكتب في صحائف الأعمال من السيئات ؟
يكتب في صحائف الأعمال من السيئات [ ما عمله الإنسان وما همَّ به وما نواه ]
*الدليل على أن ما عمله الإنسان من السيئات يكتب في صحائف الأعمال :
قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ثُمّ إِلَىَ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ) [سورة: الجاثية - الآية: 15]
*الدليل على أن[ما همَّ به الإنسان من السيئات] يكتب في صحائف الأعمال :
(حديث أبي بكرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه .
*الدليل على أن[ما نواه الإنسان من السيئات] يكتب في صحائف الأعمال :
(حديث أبي كبشة الأنماري في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي r قال : إنما الدنيا لأربعة نفر :
*عبدٌ رزقه الله مالاً وعلماً : فهو يتقي في ماله ربه ويصلُ فيه رحمه ويعلم لله فيه حقه فهذا بأحسن المنازل عند الله .
*ورجلٌ رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً: فهو يقول لو أن لي مالاً لعملتُ بعمل فلان ، فهو بنيته وهما في الأجر سواء
*ورجلٌ رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً: فهو يخبِطُ في ماله لا يتقي فيه ربه ولا يصلُ فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقا فهذا بأسوأ المنازل عند الله .
*ورجلٌ لم يرزقه الله مالاً ولا علما: فهو يقول لو أن لي مالاً لعملتُ بعمل فلان ، فهو بنيته وهما في الوزر سواء
مسألة : إذا هم الإنسان بسيئةً ولكن تركها هل يؤجر عليها أم لا ؟
المسألة على التفصيل الآتي :
[1] إن تركها عن عجز فهو آثم مثل إثم من عملها
(حديث أبي بكرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه .
[2] إن تركها من أجل الله تعالى كتبت له حسنة :
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : قال الله تعالى : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة ، وإذا أن يعمل حسنةً فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها من أجلي فاكتبوها بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةِ ضعف .
[3] إن تركها لأن نفسه عزفت عنها لا لله ولا عجزاً فهذا لا إثم عليه ولا يؤجر .
مسألة : ما هو الحساب ، وما الدليل على أنه حقٌ ثابت ؟
الحساب وهو محاسبة الخلائق على أعمالهم و الدليل على أنه حقٌ ثابت (حديث أبي برزة في صحيح الترمذي) أن النبي r قال : لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع : عن شبابه فيم أبلاه وعن عمره فيم أفناه و عن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه و عن علمه ما فعل فيه.
مسألة : هل هناك فرقٌ بين محاسبة المؤمن و محاسبة الكافر ؟
هناك فرقٌ شاسع بين محاسبة المؤمن و محاسبة الكافر
*كيفيته بالنسبة للمؤمن إن الله يخلو به فيقرره بذنوبه ،ثم يقول ( قد سترتها عليك في الدنيا وأنا اغفرها لك اليوم) . وأما بالنسبة للكافر فانه يوقف على عمله ويقرر به ، ثم ينادى على رؤوس الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين .
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي r قال : إن الله تعالى يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره ، يقول : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه و رأى في نفسه أنه قد هلك قال : سترتها عليك في الدنيا و أنا أغفرها لك اليوم; و أما المنافق والكافر فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين .
*وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الصلاة .
(حديث أنس في صحيح الجامع) أن النبي r قال : أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله و إن فسدت فسد سائر عمله .
*وأول ما يقضي بين الناس الدماء.
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي r قال : أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء .
*ومن الناس من يدخل الجنة بلا حساب ، وهم الذين لا يسترقون ، ولا يكتوون ، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ، ومنهم عكاشة بن محصن رضي الله عنه.
(حديثُ ابن عباس في الصحيحين ) أن النبي r قال : عُرِضت عليَّ الأمم فجعل يمرُ النبي معه الرجل والنبيُ معه الرجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ، ورأيتُ سواداً كثيراً سدَّ الأفق فرجوتُ أن تكون أمتي فقِيل هذا موسى وقومه ، ثم قِيل ليَ انظر هكذا وهكذا فرأيتُ سواداً كثيراً سدَّ الأفق فقِيل هؤلاء أمتُك ومع هؤلاءِ سبعون ألفاً يدخلون الجنةَ بغيرِ حساب فتفرَّقَ الناسُ ولم يبينْ لهم ، فتذاكرَ أصحابُ النبيِ r فقالوا نحن وُلدنا في الشرك ولكن هؤلاء أبناؤنا ، فبلغ النبي r فقال { هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون } فقام عُكَّاشةُ ابن مِحصن فقال : أمنهم أنا يا رسولَ الله ؟ قال : أنت منهم ، فقام آخر فقال أمنهم أنا ؟ قال : سبقك بها عُكَّاشة .
{تنبيه} الحساب اليسير هو العرض ومن نوقش الحساب عُذِّّب
(حديث عائشة في الصحيحين ) أن النبي r قال : ليس أحدٌ يحاسب ُ يوم القيامة إلا هلك . فقلت يا رسول الله : أليس قد قال الله ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً ) فقال رسول الله r إنما ذلك العرض وليس أحدٌ يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذِّب .
خامسا: الحوض المورود للنبي r في عرصات القيامة ـ أي مواقفها ـ يرده المؤمنون من أمته ومن شرب منه لم يظمأ أبدا ،طوله شهرا وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء ، وماؤه اشد بياضا من اللبن ، واحلي من العسل ، وأطيب من رائحة المسك .
(حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين ) أن النبي r قال : حوضي مسيرة شهر و زواياه سواء و ماؤه أبيض من اللبن و ريحه أطيب من المسك و كيزانه كنجوم السماء من يشرب منه فلا يظمأ أبدا .
(حديث أنس في الصحيحين ) أن النبي r قال : إن في حوضي من الأباريق بعدد نجوم السماء .
(حديث حارثة بن وهب في الصحيحين ) أن النبي r قال : حوضي كما بين المدينة و صنعاء .
مسألة : هل الحوض موجودٌ الآن ؟
نعم الحوض موجودٌ الآن والدليل
( حديث عقبة بن عامر في الصحيحين ) أن النبي r قال : إني بين أيديكم فَرَط لكم و أنا عليكم شهيد و إن موعدكم الحوض و إني لأنظر إليه من مقامي هذا ، و إني لست أخشى عليكم أن تشركوا و لكني أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوها.
الشاهد قوله r [و إني لأنظر إليه من مقامي هذا]
مسألة : هل الحوض مختصٌ بنبينا r أم أن لكل نبي حوض يرده المؤمنون من أمته ؟
لكل نبي حوض يرده المؤمنون من أمته ، ولكن الحوض الأعظم حوض النبي r . وقد أنكر المعتزلة وجود الحوض ، وقولهم مردود بما تواترت به الأحاديث من إثباته.
مسألة : ما هو الصـراط ، وما صفتة ، وما صفة المرور عليه ؟
الصراط وهو الجسر المنصوب على متن جهنم بين الجنة والنار ، وهو أدق من الشعر وأحد من السيف ،
عليه كلابيب تخطف الناس بأعمالهم ، يمرون عليه على قدر أعمالهم ، فمنهم من يمر كلمح البصر ،ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالريح ، ومنهم من يمر كالفرس الجواد ، ومنهم من يمر كركائب الإبل ومنهم من يعدو عدوا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا ، ومنهم من يخطف فيلقي في النار فيعذب بقدر عمله .
مسالة : من الذي يمر على الصراط ؟
الذي يمر على الصراط هم المؤمنون فقط ، أما الكفار فإنهم يسحبون إلى جهنم .
قال تعالى: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىَ جَهَنّمَ وِرْداً) [سورة: مريم - الآية: 86]
و قال تعالى: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلَىَ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسّ سَقَرَ) [سورة: القمر - الآية: 48]
مسألة : من جاز الصراط هل يجد الجنة مفتوحةً فيدخلها مباشرة ؟
من جاز الصراط لم يجد الجنة مفتوحةً فيدخلها مباشرة بل يجدها مغلقة فيقف على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتص لبعضهم من بعض قصاصا تزول به الأحقاد والبغضاء والغل حتى إذا ما دخلوا الجنة بعد شفاعة النبي r حق عليهم أن يصفهم الله تعالى بقوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ) [سورة: الحجر - الآية: 47] .
(حديث أبي سعيد الخدري في صحيح البخاري ) أن النبي r قال : يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقصُ لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هُذِّبوا ونقوا أُذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا .
مسألة : اذر الدليل على وجوب الإيمان بالجنة والنار ؟
قال تعالى: (فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتّقُواْ النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رّزْقاً قَالُواْ هَـَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة – 24، 25]
قال تعالى: (عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىَ * عِندَهَا جَنّةُ الْمَأْوَىَ) [النجم 14، 15]
(حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين) أن النبي r قال : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أن عيسى عبده و رسوله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه و أن الجنة حق و النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من عمل .
مسألة : هل الجنة والنار موجودان الآن ؟
نعم الجنة والنار موجودان الآن قال تعالى: (وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ) [سورة: آل عمران - الآية: 133]
و قال تعالى في النار (فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتّقُواْ النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ) [سورة: البقرة - الآية: 24]
(حديث ابن عمر في الصحيحين) أن النبي r قال : إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداةِ و العشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة و إن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة .
(حديث عمران بن حُصَين في صحيح البخاري) أن النبي r قال : اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء و اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء .
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي r قال : بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا أنا بامرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب فذكرت غيرتك فوليت مدبرا .
مسألة : هل الجنة والنار يفنيان ؟
الجنة والنار لا يفنيان أبداً قال تعالى: (وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة: التوبة - الآية: 100]
و قال تعالى: (إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاّ طَرِيقَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً) [النساء 168، 169]
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أن النبي r قال : يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح فينادي منادٍ : يا أهل الجنة ! فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ، ثم ينادي : يا أهل النار ! فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ، فيذبح ثم يقول : يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت ويا أهل النار خلودٌ فلا موت ثم قرأ قوله تعالى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ) [سورة: مريم - الآية: 39] .
مسألة : ما معنى الشفاعة ، وما المقصود بالشفاعة المثبتة والمنفية ؟
الشفاعة هي التوسط للغير بجلب المنفعة أو دفع مضرة
المقصود بالشفاعة المثبتة : التي أثبتها الله تعالى في كتابه وهي لأهل الإخلاص .
المقصود بالشفاعة المنفية : التي من غير الله تعالى أو بغير إذنه أو لأهل الشرك به .
مسألة : ماهي شروط الشفاعة ؟
شروط الشفاعة : [1] إذن الله للشافع [2] ورضاه عن المشفوع له
مسألة : ما هي أنواع الشفاعة المثبتة ؟
أنواع الشفاعة المثبتة :
[1] الشفاعة العظمي ، حيث يشفع في أهل الموقف إلى الله ليقضي بينهم ، بعد أن تطلب الشفاعة من آدم فنوح فإبراهيم فموسى فعيسي عليهم الصلاة والسلام فلا يشفعون ، حتى تنتهي إلى النبي r فيشفع فيقبل الله منه . وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله بقوله: ( عَسَى أن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودا)(الإسراء: من الاية79) .
وأمرنا النبي r أن نسأل الله تعالى له هذا المقام بعد كل أذان
( حديث جابر في صحيح البخاري ) أن النبي r قال : من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة .
( حديث ابن عمر في صحيح البخاري ) قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا كل أمة تتبع نبيها يقولون : يا فلان اشفع يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .
( حديث أنس في الصحيحين ) أن النبي r قال إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم فيقولون اشفع لنا إلى ربك فيقول لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن فيأتون إبراهيم فيقول لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله فيأتون موسى فيقول لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته فيأتون عيسى فيقول لست لها ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيأتونني فأقول أنا لها فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب أمتي أمتي فيقول انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل .
[2] شفاعة النبي r في استفتاح باب الجنة
وهذه الشفاعةُ أيضاً خاصةٌ بالنبي r
( حديث أنس في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الناس تبعاً .
(حديث أنس في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : آتي باب الجنة فأستفتح فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك .
[3] الشفاعة في إخراج الموحدين من النار :
(حديث أنس في صحيح البخاري)أن النبي r قال : يخرج قومٌ من النار بعد ما مسهم منها سفعٌ فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين .
(حديث أبي سعيد في صحيح الترمذي ) أن النبي r يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان .
[4] شفاعة في زيادة درجات الجنة لمن دخلها
[5] شفاعة فيمن يستحق دخول النار أن لا يدخلها
[6] الشفاعة في تخفيف عذاب بعض الكفار
وهذه خاصة بنبيناr في عمه أبي طالب
(حديث أبي سعيد في الصحيحين) أنه سمع النبي r وذكر عنده عمه 0فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه - يعني أبا طالب - .
مسألة : من أسعد الناس بشفاعة النبي r ؟
أسعدُ الناس بشفاعة النبي r من قال لا إله إلا الله خالصاً مخلصاً من قلبه
( حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي r قال أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا مخلصا من قلبه .
مسألة : هل يخرج أقوامٌ من النار برحمة الله تعالى بدون شفاعة الشافعين ؟
نعم دلَّت السنة الصحيحةُ على حصول ذلك
( حديث أبي سعيدٍ في الصحيحين) أن النبي r قال : فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون فيقول الجبار : بقيت شفاعتي فيقبضُ قبضةً من النار فيخرج أقواماً قد امتحشوا فيُلقون في نهرٍ بأفواه الجنة يُقال له ماء الحياة فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل .
مسألة : اذكر الدليل على الشفاعة المنفية ؟
الدليل قوله تعالى: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشّافِعِينَ) ( المدثر/ 48)
وقد وبَّخ الله تعالى اعتقاد المشركين الذين أشركوا مع الله تعالى من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ، وقد قطع الله تعالى الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعا ، وتفصيل ذلك كالآتي :
أن المشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له من النفع ، والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلةٌ من أربع خصال هي :
5) إما أن يكون مالكاً لما يريده عابده منه
6) فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك
7) فإن لم يكن شريكاً للمالك كان معيناً له وظهيراً
8) فإن لم يكن معينا ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده
وقد نفى الله تعالى هذه المراتب الأربع نفياً مرتباً منتقلاً من الأعلى إلى الأدنى قال تعالى ( سبأ / 23)
مسألة : ما هي أقسام الناس في الشفاعة ؟
انقسم الناس في الشفاعة إلى ثلاثة أقسام كالتالي :
- · القسم الأول : قسمٌ نفوْا الشفاعة وهم الخوارج والمعتزلة حيث نفوْا الشفاعة لأهل الكبائر
- · القسم الثاني : قسمٌ أثبتوا الشفاعة للأصنام وهم المشركون
- · القسم الثالث : قسمٌ أثبتوا الشفاعة بثلاثةِ شروط هي
1) إذن الله تعالى للشافع 2) رضاه تعالى عن المشفوع له
مسألة : ما هو منهج أهل السنة والجماعة في سيرتهم وعلمهم :
منهجهم في ذلك :
أولا : إتباع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا
قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ فإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران 31، 32]
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري ) أن النبي r قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قيل ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فقد أبى .
ثانياً : إتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، لما خصهم الله تعالى به من العلم والفقه فهم أعمق فهماً وأقل تكلفاً وقد ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة فضلهم
قال تعالى: (وَالسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة: التوبة - الآية: 100]
(حديث أبي سعيد في صحيح البخاري) أن النبي r قال : (لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده ، لو انفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه ) .
(حديث ابن مسعود في الصحيحين) أن النبي r قال : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته .
ثالثاً :إتباع وصية النبي r في التمسك بسنته الخلفاء الراشدون المهديين
(حديث العرباض بن سارية في صحيحي أبي داود والترمذي ) أن النبي r قال : أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و أن أمر عليكم عبد حبشي فإنه من يعش منكم بعدي فسيري اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها و عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
والخلفاء الراشدون هم الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته في العلم والإيمان والدعوة إلى الحق ، وأولي الناس بهذا الوصف الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم .
رابعاً : أنهم يعظمون الكتاب والسنة :
قال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً) [سورة: النساء - الآية: 87]
و قال تعالى: (مِنَ اللّهِ قِيلاً) [سورة: النساء - الآية: 122]
بين النبي r أن النجاة من الضلال تحصل بالتمسك بالوحيين كليهما ( الكتاب والسنة) وليس بالكتاب فقط
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي r قال تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله و سنتي و لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض .
{تنبيه } : بين النبي r أنه يجب التمسك بالسنة المشرفة وأحكامها مثل ما يتمسك الإنسان بالقرآن وأحكامه ف، ما حرَّم رسول الله r مثل ماحرَّم الله تعالى إذ هو مبلِّغ الشرع عن الله تعالى
(حديث المقدام بن معد يكرب في صحيحي أبي داود والترمذي) أن النبي r قال : يوشك الجل متكئأً على أريكته يُحدَّث بحديثٍ من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه من حلالٍ استحللناه وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه ، ألا , وإن ماحرَّم رسول الله مثل ما حرَّم الله .
(حديث المقدام بن معد يكرب في صحيح أبي داود) أن النبي r قال ألا وإني أُوتيت القرآن ومثله معه .
كما دعا النبي r لمن حفظ الحديث ونشره وذلك لما فيه من المنافع العميمة
(حديث زيدٍ بن ثابت في صحيحي أبي داود والترمذي ) أن النبي r قال نضَّر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فرب حامل فقه إلى من هو أفقه و رب حامل فقه ليس بفقيه .
*معنى نضَّر الله : الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة
قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى : ما من أحدٍ يطلب الحديث إلا في وجهه نضرة .
خامساً : يؤثرون كلام الله تعالى على كلام غيره ولهذا سموا بأهل الكتاب ويقدمون كلام النبي r على كلام غيره ولهذا سموا بأهل السنة
(حديث جابر في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : أن النبي قال كان إذا خطب احمرت عيناه و علا صوته و اشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول : صبحكم و مساكم ثم يقول : أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي محمد و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة .
سادساً : أنهم مجتمعون على الحق لعلمهم أن الجماعة رحمة و الفرقة عذاب .
(حديث النعمان بن بش في صحيح الجامع) أن النبي r قال : الجماعة رحمة و الفرقة عذاب .
سابعاً : أنهم يزنون أقوال الناس وأعمالهم بالأصول الثلاثة الكتاب والسنة والإجماع . فالكتاب هو القرآن ، والسنة قول النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله أو إقراره
أما دليل الكتاب والسنة قوله تعالى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [سورة: النساء - الآية: 59]
وأما دليل الإجماع (حديث ابن عمر في صحيح الترمذي) أن النبي r قال : إن الله لا يجمع أمتي أو أمة محمد على ضلالة .
{تنبيه} : ، والإجماع هو اتفاق العلماء المجتهدين من هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي .
والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح ؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة.
ثامناً : أن الناس عندهم في الولاء والبلاء ثلاثة أقسام :
- · من كان مؤمناً مستقيماً : يوالونه موالة تامة
- · من كان كفاراً أثيماً يعادونه معادةً تامة
- · من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً يوالونه بقدر ما عنده من العمل الصالح ويعادونه بقدر ما عنده من السيئات .
تاسعاً : الكف عما شجر من الصحابة ويعتقدون أن كل واحدٍ منهم مجتهدٌ مثاب ، وخطؤه يغفره الوهاب
(حديث أبي هريرة في الصحيحين ) أن النبي r قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران و إذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد .
عاشراً : يتولون أزواجه ويترضون عنهن ويؤمنون أنهن أزواجه في الآخرة ، وأنهن أفضل نساء هذه الأمة ؛ لمكانتهن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أمهات المؤمنين في الاحترام والتوقير
قال تعالى: (النّبِيّ أَوْلَىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمّهَاتُهُم) [سورة: الأحزاب - الآية: 6]
و قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوَاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللّهِ عَظِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 53] ويعتقدون تحريم نكاحهن ، وأنهن مبرآت من كل سوء ويتبرؤون ممن آذاهن أو سبهن ويحرمون الطعن فيهن وقذفهن ولذلك يكفر من قذف واحدة منهن ؛ ولان ذلك يستلزم نقص النبي صلى الله عليه وسلم وتدنيس . و قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ اللّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوَاْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللّهِ عَظِيماً) [سورة: الأحزاب - الآية: 53]
الحادي عشر : احترام وتوقير أهل بيت النبيr امتثالاً لوصيته بذلك . (حديث زيد بن أرقم في صحيح الترمذي) أن النبي r قال : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما .
(حديث ابن عمر في صحيح البخاري) أن أبا بكرٍ رضي الله تعالى عنه قال : ارقبوا محمداً في أهل بيته . [ أي احفظوه فيهم ]
الثاني عشر : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة .
(حديث أبي سعيد في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان .
*والمعروف ما عرف حسنه شرعا ، والمنكر ما عُرف قبحه شرعا ، فما به أمر الشارع فهو معروف ، وما نهي عنه فهو منكر .
وللأمر بالمعروف شروط :
ا – أن يكون المتولي لذلك عالما بالمعروف وبالمنكر .
ب – ألا يخاف ضررا ً على نفسه .
ج – ألا يترتب على ذلك مفسدة اكبر.
الثالث عشر : النصح لولاة الأمور وإقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم ، أبرارا كانوا أو فجارا والتزام السمع والطاعة لهم ما لم يأمروا بمعصية الله .
(حديث تميم بن أوس الداري في صحيح مسلم ) أن النبي r قال : الدين النصيحة . قالوا لمن يا رسول اللّه ؟ قال : للّه وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم .
الرابع عشر : النصح لجميع الأمة وبث المحبة والألفة والتعاون بين المسلمين . مطبقين في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) [ وهو ثابت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ] وقوله : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي ) [ وهو ثابت في الصحيحين عن النعمان بن بشير] .
الخامس عشر : الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ، كالصدق والبر والإحسان إلى الخلق ، والشكر عند النعم ، والصبر على البلاء ، وحسن الجوار والصحبة ، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة شرعا وعرفا تأسياً بالنبي r .
(حديث النواس ابن سمعان في صحيح مسلم) أن النبي r قال : البر حسن الخلق و الإثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس .
(حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين) قال لم يكن رسول الله فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول : إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً .
(حديث أبي هريرة في صحيح الجامع) أن النبي rقال : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق .
(حديث أبي الدر داء في صحيحي أبي داود والترمذي ) أن النبي r قال : ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ، فإن الله يُبْغِضُ الفاحشَ البذيء .
(حديث عائشة في صحيح أبي داود) أن النبي r قال : إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم .
السادس عشر : النهي عن مساوئ الأخلاق ، كالكذب والعقوق والإساءة إلى الخلق ، والتسخط من القضاء ، والكفر بالنعمة ، والإساءة إلى الجيران والأصحاب ، وغير ذلك من الأخلاق المذمومة شرعا أو عرفا .